احتبست فوقفت، فقال الملاحون: ههنا عبد آبق من سيده، وهذا رسم السفينة، إذا كان فيها عبد آبق لا تجري، فأقرعوا فوقعت القرعة على يونس.
فقال: أنا الآبق، وزج نفسه في الماء.
قال سعيد بن جبير: لما استهموا جاء حوت إلى السفينة فاغرا فاه ينتظر أمر ربه، حتى إذا ألقى نفسه في الماء أخذه الحوت.
فذلك قوله: فالتقمه الحوت يقال: لقمت اللقمة والتقمتها إذا ابتلعتها، وهو مليم مستحق اللوم، لأنه أتى ما يلام عليه حين خرج إلى السفينة قبل أن يأمره الله، فاستحق بذلك اللوم والتأديب.
﴿فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ﴾ [الصافات: ١٤٣] قبل أن التقمه الحوت، من المسبحين المصلين، وكان كثير الصلاة والذكر.
﴿لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [الصافات: ١٤٤] لصار له بطن الحوت قبرا إلى يوم القيامة.
قال سعيد بن حبير: شكر الله قد يمسه.
وقال الضحاك بن قيس: اذكروا الله في الرخاء يذكركم في الشدة، فإن يونس كان عبدا صالحا ذاكرا لله، فلما وقع في بطن الحوت قال الله تعالى: ﴿فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ﴾ [الصافات: ١٤٣] الآيتين، وإن فرعون كان عبدا طاغيا ناسيا ذكر الله فلما، أدركه الغرق قال: آمنت بالذي ﴿آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ﴾ [يونس: ٩٠] قال الله تعالى: ﴿ءَالآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ﴾ [يونس: ٩١] قال ابن جريج والسدي: لبث يونس عليه السلام في بطن الحوت أربعين يوما.
وقال الضحاك: عشرين يوما.
وقال عطاء: سبعة أيام.
وقال مقاتل: ثلاثة أيام.
وقال الشعبي: التقمه الحوت ضحى، ولفظه عشية.
فذلك قوله: فنبذناه بالعراء يعني: المكان الخالي من الشجر والبناء، قال مقاتل: بالبراز.
وقال الكلبي: يعني وجه الأرض.
وهو سقيم: قد بلي لحمه مثل الصبي المولود.
قال ابن مسعود: كهيئة الفرخ ليس عليه ريش.
﴿وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ﴾ [الصافات: ١٤٦] كل شجرة لا تقوم على ساق إنما تمتد على وجه الأرض فهو يقطين، مثل الدباء والحنظل والبطيخ قال مقاتل: يعني القرع، وهو قول الجميع، قالوا: كان يستظل بظلها من الشمس، وقيض الله له أروية من الوحش تروح عليه بكرة وعشيا، فكان يشرب من لبنها حتى اشتد لحمه ونبت شعره، ثم أرسله الله بعد ذلك.
وهو قوله: ﴿وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ﴾ [الصافات: ١٤٧] قال قتادة: أرسل إلى أهل نينوى من أرض الموصل قبل أن يصيبه ما أصابه.
وقوله: أو يزيدون أو بمعنى الواو، كقوله: ﴿عُذْرًا أَوْ نُذْرًا﴾ [المرسلات: ٦] المعنى: ويزيدون على مائة ألف، قال الفراء: أو ههنا بمعنى بل، وهو قول مقاتل، والكلبي.
وقال الزجاج: أو ههنا على أصله، ومعناه أو يزيدون في تقديركم إذا رآهم الرائي قال هؤلاء مائة ألف أو يزيدون، فالشك إنما دخل في حكاية قول المخلوقين.
قال مقاتل، والكلبي: كانوا يزيدون على عشرين ألفا.
وقال الحسن: بضعة وثلاثين ألفا.
وقال سعيد بن جبير: سبعين ألفا.
فآمنوا يعني الذين أرسل إليهم يونس، فمتعناهم في الدنيا، إلى حين إلى منتهى آجالهم.


الصفحة التالية
Icon