مِنْ عِبَادِهِ} [النحل: ٢] يريد النبيين الذين يختارهم بالرسالة، وقوله: ﴿أَنْ أَنْذِرُوا﴾ [النحل: ٢] أي أهل الكفر بأنه ﴿لا إِلَهَ إِلا أَنَا﴾ [النحل: ٢] أي: مروهم بتوحيدي، وأعلموهم ذلك مع تخويفهم لو لم يقروا.
ثم ذكر ما يدل على توحيده فقال: ﴿خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ {٣﴾ خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ ﴿٤﴾ وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴿٥﴾ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ ﴿٦﴾ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلا بِشِقِّ الأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴿٧﴾ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ ﴿٨﴾ } [النحل: ٣-٨] ﴿خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ﴾ [النحل: ٣] الآية.
﴿خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ﴾ [النحل: ٤] يعني أبي بن خلف، ﴿فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ﴾ [النحل: ٤] مخاصم، مبين ظاهر الخصومة، وذلك أنه خاصم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في إنكار البعث.
والمعنى: أنه مخلوق من نطفة، ومع ذلك يخاصم وينكر البعث، أفلا يستدل بأوله على آخره، وأن من قدر على خلقه أولا، قادر على إعادته.
والأنعام خلقها يعني الإبل والبقر والغنم، ثم ابتدأ فقال: ﴿لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ﴾ [النحل: ٥] ويجوز أن يكون تمام الكلام عند قوله: لكم ثم يبتدئ فيقول: فيها دفء.
وهو ما يستدفأ به من الأكسية والأبنية من أوبارها وأشعارها وأصوافها، قال الأصمعي: الدف السخونة.
وقال الفراء: يقال: دفيت يدفأ دفاء ودفأ.
قوله: ومنافع يعني النسل والدر والركوب، ومنها تأكلون يريد من لحومها.
﴿وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ﴾ [النحل: ٦] زينة، ﴿حِينَ تُرِيحُونَ﴾ [النحل: ٦] تردونها إلى مراحها، وهو حيث تأوي إليه ليلا، ﴿وَحِينَ تَسْرَحُونَ﴾ [النحل: ٦] ترسلونها بالغداة إلى مراعيها، يقال: سرح القوم إبلهم سرحا.
قال قتادة: وأحسن ما تكون إذا راحت عظاما ضروعها، طوالا أسنمتها.
﴿وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ﴾ [النحل: ٧] جمع ثقل، وهو متاع المسافر، ﴿إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلا بِشِقِّ الأَنْفُسِ﴾ [النحل: ٧] قال ابن عباس: يريد من مكة إلى اليمن، وإلى الشام وإلى مصر.
هذا قوله، والمراد كل بلد لو تكلفتم بلوغه على غير الإبل شق عليكم، وخص ابن عباس اليمن والشام، لأن متاجر أهل مكة كانت إلى هذه الوجوه، والشق المشقة، معناه: إلا بجهد الأنفس، ﴿إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [النحل: ٧] بكم إذ من عليكم بالنعم التي فيها هذه المرافق.
قوله: والخيل أي وخلق الخيل، ﴿وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً﴾ [النحل: ٨] قال الزجاج: نصبها على أنها مفعول لها.
والمعنى: وخلقها للزينة، والآية لا تدل على تحريم لحوم الخيل وإن ذكرته مع البغال والحمير، لأن القصد بهذه الآية إظهار المنة، بأن خلق لنا من الحيوان ما نركبه ونتجمل به، ولحوم الخيل حلال بالسنة: