بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ} [الرعد: ٦] يعني مشركي مكة، سألوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يأتيهم بالعذاب استهزاء منهم بذلك، فالمراد بالسيئة ههنا العقوبة المهلكة، والحسنة هي العاقبة والرخاء، والله تعالى صرف عمن بعث إليهم محمدا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عقوبة الاصطلام، وأخر تعذيب مكذبيه إلى يوم القيامة، فذلك التأخير هو الحسنة، وهؤلاء الكفار استعجلوا العذاب قبل إحسان الله معهم بالإنظار، وقوله: ﴿وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ﴾ [الرعد: ٦] يقال للعقوبة: مثلة ومثلة.
قال ابن الأنباري: المثلة العقوبة التي تبقي في المعاقب شيئا بتغيير بعض خلقه، من قولهم: مثل فلان بفلان إذا شان خلقه بقطع أنفه وأذنه، أو سمل عينيه، أو بقر بطنه.
قال ابن عباس، وقتادة: المثلات العقوبات، وما مثل الله بالمكذبين قبلهم.
قال الأزهري: يقول: يستعجلونك بالعذاب الذي لم أعاجلهم به، وقد علموا ما نزل من عقوباتنا بالأمم الخالية، فلم يعتبروا بها، وكان ينبغي أن يردعهم ذلك عن الكفر خوفا أن ينزل بهم مثل الذي نزل بمن كفر قبلهم.
قوله: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ﴾ [الرعد: ٦] قال ابن عباس: لذو تجاوز عن المشركين إذا آمنوا وصدقوا، ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [الرعد: ٦] للمصرين على الشرك، وتلا مطرف يوما هذه الآية، فقال: لو يعلم الناس قدر رحمة الله ومغفرة الله وعفو الله وتجاوز الله لَقَرَّتْ أعينهم، ولو يعلم الناس قدر عذاب الله، وبأس الله ونكال الله ونقمة الله، ما رَقَأَ لهم دمع، ولا قَرَّتْ أعينهم بشيء.
٤٨٥ - أَخْبَرَنَا نَصْرُ بْنُ بَكْرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْحُسَيْنِ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نُصَيْرٍ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، أنا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [الرعد: ٦] ؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْلا عَفْوُ اللَّهِ وَتَجَاوُزُهُ مَا هَنَأَ أَحَدًا الْعَيْشُ، وَلَوْلا وَعِيدُ اللَّهِ وَعِقَابُهُ لاتَّكَلَ كُلُّ أَحَدٍ»
قوله: ﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ﴾ [الرعد: ٧] قال ابن عباس: يريد مثل الناقة والعصا وما جاء به النبيون.
وقال الزجاج: طلبوا غير الآيات التي أتى بها فالتمسوا مثل آيات موسى وعيسى.
فقال الله: ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ﴾ [الرعد: ٧] تنذرهم بالنار، وليس إليك من الآيات شيء، ﴿وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾ [الرعد: ٧] أي: نبي وداع إلى الله يدعوهم بما يعطى من الآيات، لا بما يريدون ويتحكمون، وهذا قول ابن عباس، ومجاهد، وقتادة.
وقال سعيد بن جبير، وعطية، والضحاك: الهادي هو الله عز وجل.
والمعنى أنت منذر تنذر، والله هادي كل قوم يهدي من شاء.
قوله: ﴿اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى﴾ [الرعد: ٨] يعلم ما في بطن كل حامل من علقة، أو مضغة، أو زائد، أو ناقص، على اختلاف في


الصفحة التالية
Icon