شيء له ظل من جبل، وشجر، وبناء، وجسم قائم، يتفيأ يتفعل من الفيء، يقال: فاء الظل يفيء فيئا إذا رجع وعاد بعد ما كان ضياء الشمس نسخه.
وتفيؤ الظلال: رجوعها بعد انتصاب النهار، وقوله: ظلاله جمع ظل، وجمع هو مضاف إلى مفرد لأنه واحد يراد به الكثرة، ومثله: ﴿لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ﴾ [الزخرف: ١٣] ومعنى تفيؤ الظلال عن اليمين والشمائل، قال الكلبي: إذا طلعت الشمس وأنت متوجه إلى القبلة كان الظل قدامك، فإذا ارتفعت كان على يمينك، فإذا كان بعد ذلك كان خلفك، وإذا كان قبل أن تغرب الشمس كان يسارك، فهذا تفيؤه عن اليمين والشمائل، أي تميله عن جانب إلى جانب.
ووحد اليمين والمراد به الجمع إيجازا في اللفظ كقوله: يولون الدبر ودلت الشمائل على أن المراد به الجميع، وقوله: سجدا لله دورانه من جانب إلى جانب هو سجوده لأنه مستسلم منقاد مطيع بالتسخير، وهذه الآية كقوله: ﴿وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ﴾ [الرعد: ١٥] وقد مر بيانه، قوله: وهم داخرون أي صاغرون، يقال: دخر يدخر دخورا، فهو داخر، وهو الذي يفعل ما تأمره شاء أو أبى، قال الزجاج: يعني أن هذه الأشياء مجبولة على الطاعة.
قوله: ﴿وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾ [النحل: ٤٩] السجود على نوعين: سجود عبادة وطاعة كسجود المسلمين، وسجود هو خضوع وتذلل وهو سجود ما لا يعقل، وسجود الجمادات، وهذه الأشياء بما فيها من الدلالة على الحاجة إلى مدبر وصانع ساجدة، أي خاضعة متذللة، وقوله: من دابة قال ابن عباس: يريد كل ما دب على الأرض.
والملائكة أخرجهم بالذكر لخروجهم عن صفة الدبيب بما جعل لهم من الأجنحة، ﴿وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ [النحل: ٤٩] يريد عن عبادة الله، وهذا من صفة الملائكة خاصة لقوله: ﴿يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ﴾ [النحل: ٥٠] وفي هذه الآية قولان: أحدهما أن الآية من باب حذف المضاف على تقدير يخافون من عقاب ربهم من فوقهم، لأن أكثر ما يأتي العقاب المهلك إنما يأتي من فوق، والآخر: أن الله تعالى لما كان موصوفا بأنه علي متعال علو الرتبة في القدرة، حسن أن يقال: من فوقهم ليدل على أنه في أعلى مراتب القادرين، وهذا معنى قول ابن عباس في رواية مجاهد، قال: ذلك مخافة الإجلال.
واختاره الزجاج، فقال: يخافون ربهم خوف مجلين.
ويدل على صحة هذا المعنى قوله: ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٨] وقوله إخبارا عن فرعون: ﴿وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ﴾ [الأعراف: ١٢٧] وذهب بعض الناس إلى أن قوله: من فوقهم من صفة الملائكة، والمعنى أن الملائكة الذين هم فوق بني آدم، وفوق ما في الأرض من دابة يخافون الله مع علو رتبتهم، فلأن يخاف من دونهم أولى، وقوله: ﴿وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [النحل: ٥٠] يعني الملائكة، وهذا كقوله: ﴿لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ﴾ [التحريم: ٦].
قوله: {