النون.
ومن ضم النون، فهو من قولهم: أسقاه إذا جعل له شربا، كقوله: ﴿وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا﴾ [المرسلات: ٢٧] وذكر الكناية في بطونه لأن النعم والأنعام شيء واحد، فرجع التذكير إلى النعم إذ كان يؤدي عن معنى الأنعام، وهذا قول الفراء، وأنشد:
وطاب ألبان اللقاح وبرد
فرجع إلى اللبن، لأن اللبن والألبان بمعنى واحد، وقال الكسائي: أراد مما في بطون ما ذكرنا.
قال الفراء: وهو الصواب.
وقال المبرد: هذا فاش في القرآن مثل قوله للشمس: ﴿هَذَا رَبِّي﴾ [الأنعام: ٧٦].
يعني هذا الشيء الطالع، وكذلك ﴿وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ﴾ [النمل: ٣٥] ثم قال: ﴿فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ﴾ [النمل: ٣٦] ولم يقل: جاءت، لأن المعنى جاء الشيء الذي ذكرنا، وقوله: ﴿مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ﴾ [النحل: ٦٦] الفرث سرجين الكرش، قال ابن عباس في رواية الكلبي: إذا استقر العلف في الكرش صار أسفله فرثا، وأعلاه دما، وأوسطه لبنا، فيجري الدم في العروق، والبن في الضرع، ويبقى الفرث كما هو.
فذلك قوله: ﴿مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا﴾ [النحل: ٦٦] لا يشوبه الدم ولا الفرث، سائغا للشاربين جائزا في حلوقهم، يقال: ساغ الشراب في الحق وأساغه صاحبه.
ومنه قوله: ﴿وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ﴾ [إبراهيم: ١٧] قال أصحابنا: وهذه الآية تدل على أن مني الآدمي طاهر وإن كان في باطنه مجاورا للنجاسات، كاللبن الطاهر يخرج من بين نجسين.
قوله: ﴿وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ﴾ [النحل: ٦٧] الآية، قال صاحب النظم: تقدير الآية ولكم من ثمرات النخيل والأعناب ما تتخذون منه سكرا.
والعرب تضمر ما، كقوله: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ﴾ [الإنسان: ٢٠] أي: ما ثَمَّ، والأعناب عطف على الثمرات، أي: ومن الأعناب، ﴿تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا﴾ [النحل: ٦٧] وكل ما يسكر، والرزق الحسن ما أحل منهما كالزبيب، والخل، والتمر.
٥١٨ - أَخْبَرَنَا الأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ، نا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ السَّرَّاجُ، أنا الْحَسَنُ بْنُ الْمُثَنَّى بْنِ مُعَاذٍ، أنا أَبُو حُذَيْفَةَ


الصفحة التالية
Icon