السدي: هذا مثل ضربه الله للآلهة، يقول: كما لا يستوي عندكم عبد مملوك لا يقدر من أمره على شيء، ورجل حر فقد رزق رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا لا يخاف من أحد، فكذلك أنا، وهذه الآلهة التي تدعون ليست تملك شيئا، وأنا الذي أملك وأرزق من شئت.
وقوله: هل يستوون جمع الفعل لأن المراد بقوله: عبد مملوكا وبقوله: ومن رزقناه الشيوع في الجنس لا التخصيص، وقوله: الحمد لله أنه المستحق للحمد، لأنه المنعم ولا نعمة للأصنام عندهم، ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٧٥] يعني أن المشركين لا يعلمون أن الحمد لي لأن جميع النعمة مني، وذكر الأكثر وهو يريد الجميع.
ثم ذكر مثلا آخر، فقال: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ﴾ [النحل: ٧٦] لا يقدر على شيء، وهو العييُّ الأقطع اللسان، ﴿لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ﴾ [النحل: ٧٦] من الكلام لأنه لا يفهم ولا يفهم عنه، ﴿وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ﴾ [النحل: ٧٦] ثقل ووبال على صاحبه وقريبه وابن عمه، والكَلُّ الذي هو عيال وثقل على صاحبه، أينما يوجهه أينما يرسله، والتوجيه: الإرسال في وجه الطريق، يقال: وجهته إلى موضع كذا فتوجه إليه.
وقوله: ﴿لا يَأْتِ بِخَيْرٍ﴾ [النحل: ٧٦] لأنه عاجز لا يفهم ما يقال له ولا يفهم عنه، ﴿هَلْ يَسْتَوِي هُوَ﴾ [النحل: ٧٦] أي: هذا الأبكم الذي هو بهذا الوصف، ﴿وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ﴾ [النحل: ٧٦] وهو قادر تام التمييز متكلم، ناطق بالحق، آمر بالعدل، ﴿وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [النحل: ٧٦] دين مستقيم، وهذا مثل للمؤمن والكافر.
٥٢٤ - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْهَيْثَمِ الأَنْبَارِيُّ، نا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَاكِرٍ، نا عَفَّانُ، نا وُهَيْبٌ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: نَزَلَتْ فِي رَجُلَيْنِ؛ فَالأَبْكَمُ مِنْهُمَا الْكَلُّ عَلَى مَوْلاهُ: هُوَ السَّيِّدُ ابْنُ أَبِي الْعَيْصِ، وَالَّذِي يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ: هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قوله: ﴿وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {٧٧﴾ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴿٧٨﴾ أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴿٧٩﴾ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ ﴿٨٠﴾ } [النحل: ٧٧-٨٠] ﴿وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ [النحل: ٧٧] تقدم تفسيره، قوله: ﴿وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ﴾ [النحل: ٧٧] يعني القيامة، ﴿إِلا كَلَمْحِ الْبَصَرِ﴾ [النحل: ٧٧] اللمح النظر بسرعة، يقال: لمحه ببصر، قال السدي: يقول: هو كلمح العين من السرعة.
﴿أَوْ هُوَ أَقْرَبُ﴾ [النحل: ٧٧] من ذلك إذا أردنا، وقال الزجاج: أعلم الله أن البعث والإحياء في قدرته ومشيئته كلمح البصر أو هو أقرب، ليس يريد أن الساعة تأتي في أقرب من لمح البصر، ولكنه يصف سرعة القدرة على الإتيان بها متى شاء.
يدل على هذا قوله: {


الصفحة التالية
Icon