بالله.
قال المفسرون: وهذا في نهي الذين بايعوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن نقض عهده على الإسلام ونصرة الدين، يدل على هذا قوله: ﴿وَتَذُوقُوا السُّوءَ﴾ [النحل: ٩٤] أي العذاب، بما صددتم بصدكم، ﴿عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [النحل: ٩٤] يريد أنهم إذا نقضوا العهد مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صدوا غيرهم عن الدخول في الإسلام فاستحقوا العذاب، فنهوا عن ذلك بذكر الوعيد عليه، قوله: ﴿وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [النحل: ٩٤] قال ابن عباس: يريد في الآخرة.
ثم زاد توكيدا، فقال: ﴿وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ {٩٥﴾ مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿٩٦﴾ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿٩٧﴾ } [النحل: ٩٥-٩٧] ﴿وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلا﴾ [النحل: ٩٥] يقول: لا تنقضوا عهودكم تطلبون بنقضها عوضا من الدنيا.
﴿إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ﴾ [النحل: ٩٥] من الثواب على الوفاء، ﴿خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٩٥] ذلك قوله.
﴿مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ﴾ [النحل: ٩٦] أي: يفنى وينقطع، يعني الدنيا، ﴿وَمَا عِنْدَ اللَّهِ﴾ [النحل: ٩٦] من الثواب والكرامة، باق دائم لا ينقطع، ﴿وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا﴾ [النحل: ٩٦] على عهودهم، وعلى طاعة ربهم، ﴿بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل: ٩٦] يعني الطاعات، ومن جزاه الله بأحسن عمله، غفر له ذنوبه.
قوله: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ [النحل: ٩٧] قال ابن عباس في رواية سعيد بن جبير: هي القناعة.
قال: وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «اللهم قنعني بما رزقتني، وبارك لي فيه».
٥٢٨ - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْمَاوَرْدِيُّ، نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمْدَوَيْهِ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْجَارُودِ، نا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الرِّبَاطِيُّ، نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَكَمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ [النحل: ٩٧] قَالَ: الْقَنَاعَةُ، وَرِزْقُ يَوْمٍ بِيَوْمٍ.
وَهَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ، وَوَهْبٍ، وَالْقَرَظِيِّ.
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْكَلْبِيِّ، وَأَبِي مَالِكٍ، وَعَطَاءٍ: هِيَ الرِّزْقُ الْحَلالُ، وَأَكْلُ الْحَلالِ.