كانت الريح تطير بهم بين السماء والأرض، حتى أهلكتهم.
تدمر تهلك، كل شيء مرت به من الناس، والدواب، والأموال، فأصبحوا يعني: عادا، ﴿لا يُرَى إِلا مَسَاكِنُهُمْ﴾ [الأحقاف: ٢٥]، قال الزجاج: تأويله: لا يرى شيء إلا مساكنهم.
وقرئ لا ترى بفتح التاء، إلا مساكنهم بالنصب، على معنى: لا ترى أيها المخاطب، أي: لا تشاهد شيئًا إلا مساكنهم، لأن السكان والأنعام بادت بالريح، وقال ابن عباس: فلم يبق إلا هود ومن آمن معه.
ثم خوف كفار مكة، وذكر فضل عاد بالأجسام، والقوة عليهم، فقال: ﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ {٢٦﴾ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴿٢٧﴾ فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴿٢٨﴾ } [الأحقاف: ٢٦-٢٨] ﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ﴾ [الأحقاف: ٢٦] أي: في الشيء الذي لم نمكنكم فيه من المال، والعمر، وشدة الأبدان، قال المبرد: ما في قوله: فيما بمنزلة الذي، وإن بمنزلة ما، وتقديره: ولقد مكناهم في الذي ما مكناكم فيه.
وجعلنا لهم الآية، أخبر الله تعالى: أنهم أعرضوا عن قبول الحجج، والتفكر فيما يدلهم على التوحيد، مع ما أعطاهم الله من الحواس التي بها تدرك الأدلة.
ثم زاد في التخويف، فقال: ﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى﴾ [الأحقاف: ٢٧] الخطاب لأهل مكة، وأراد: القرى المهلكة باليمن، والشام، وصرفنا الآيات بيناها، لعلهم لعل أهل القرى، يرجعون.
ثم ذكر أنهم لم ينصرهم من الله ناصر، حين حل بهم العذاب، وهو قوله: فلولا نصرهم فهلا نصرهم؟ وهذا استفهام إنكار، أي: لم ينصرهم، ﴿الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً﴾ [الأحقاف: ٢٨] قال ابن قتيبة: اتخذوهم آلهة، يتقربون بها إلى الله.
والقربان: ما يتقرب به إلى الله، ﴿بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ﴾ [الأحقاف: ٢٨] قال مقاتل: ضلت الآلهة عنهم، فلم تنفعهم عند نزول العذاب بهم.
وذلك إفكهم أي: اتخاذهم الآلهة دون الله كذبهم، وافتراؤهم، وهو قوله: ﴿وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ [الأحقاف: ٢٨] يكذبون من أنها آلهة شركاء.
قوله تعالى: