مُحَمَّدُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نا السَّرِيُّ بْنُ حَيَّانَ، نا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ، نا مُجَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: قَالَتْ لِي عَائِشَةُ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا عَائِشَةُ إِنَّ الدُّنْيَا لا تَنْبَغِي لِمُحَمَّدٍ وَلا لِآلِ مُحَمَّدٍ، يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَرْضَ مِنْ أُولِي الْعَزْمِ إِلا الصَّبْرَ عَلَى مَكْرُوهِهَا وَالصَّبْرَ عَلَى مَحْبُوبِهَا، وَلَمْ يَرْضَ إِلا أَنْ كَلَّفَنِي مَا كَلَّفَهُمْ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾ [الأحقاف: ٣٥] وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا بُدٌّ لِي مِنْ طَاعَتِهِ، وَإِنِّي وَاللَّهِ لَأَصْبِرَنَّ كَمَا صَبَرُوا، وَأَجْهَدَنَّ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ "
وقوله تعالى: ﴿وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ﴾ [الأحقاف: ٣٥] أي: العذاب، وكأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضجر بعض الضجر، وأحب أن ينزل العذاب بمن أبى من قومه، فأمر بالصبر، وترك الاستعجال، ثم أخبر أن العذاب منهم قريب بقوله: ﴿كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ﴾ [الأحقاف: ٣٥] أي: من العذاب في الآخرة، لم يلبثوا في الدنيا، ﴿إِلا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ﴾ [الأحقاف: ٣٥] أي: إذا عاينوا العذاب، صار طول لبثهم في الدنيا، والبرزخ كأنه ساعة من نهار، لأن ما مضى كأنه لم يكن وإن كان طويلًا، وتم الكلام، ثم قال: بلاغ أي: هذا القرآن، وما فيه من البيان، بلاغ عن الله إليكم، والبلاغ بمعنى: التبليغ، ﴿فَهَلْ يُهْلَكُ إِلا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [الأحقاف: ٣٥] أي: لا يقع العذاب إلا بالعاصين، الخارجين عن أمر الله، وقال قتادة: اعلموا، والله ما يهلك على الله إلا هالك مشرك ولى ظهره للإسلام، أو منافق صدق بلسانه وخالف بعمله.
وقال الزجاج: تأويله لا يهلك مع رحمة الله وتفضله، إلا القوم الفاسقون.
ولهذا قال قوم: ما في الرجاء لرحمة الله تعالى آية أقوى، وأتم من هذه الآية.