﴿ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [محمد: ٣] أي: ذلك الإصلاح والإضلال، باتباع الكافرين الشرك، وعبادة الشيطان، واتباع المؤمنين التوحيد، والقرآن، ﴿كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ﴾ [محمد: ٣] قال الزجاج: كذلك يبين الله للناس أمثال حسنات المؤمنين، وإضلال أعمال الكافرين.
يعني: أن من كان كافرًا أضل الله عمله، ومن كان مؤمنًا كفر سيئاته، كما ذكر ههنا في الفريقين.
ثم علم المؤمنين كيف يصنعون بالكافرين إذا لقوهم، فقال: ﴿فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ {٤﴾ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ ﴿٥﴾ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ﴿٦﴾ } [محمد: ٤-٦].
﴿فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [محمد: ٤] أي: في القتال، فضرب الرقاب أي: فاضربوا رقابهم، والمعنى: اقتلوهم، لأنه أكثر مواضع القتل ضرب العنق، فإن ضربه على مقتل آخر كان كما لو ضرب عنقه، لأن القصد قتله، ﴿حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ﴾ [محمد: ٤] بالغتم في قتلهم، وأكثرتم القتل، فشدوا الوثاق يعني: في الأسر، والأسر يكون بعد المبالغة في القتل، كما قال: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ﴾ [الأنفال: ٦٧]، والوثاق اسم من الإيثاق، يقال: أوثقه إيثاقًا ووثاقًا إذا شد أسره، كيلا يفلت، ﴿فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً﴾ [محمد: ٤] أي: بعد أن تأسروهم، إما مننتم عليهم منًا فأطلقتموهم بغير عوض، وإما أن تفدوا فداء، قال الوالبي، عن ابن عباس: لما كثر المسلمون، واشتد سلطانهم، أنزل الله على نبيه في الأسارى: ﴿فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً﴾ [محمد: ٤] فجعل الله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والمؤمنين بالخيار في الأسارى: إن شاءوا قتلوهم، وإن شاءوا استعبدوهم، وإن شاءوا فادوهم.
ويجوز الإطلاق بغير فداء، لقوله تعالى: ﴿فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ﴾ [محمد: ٤] والإمام يتخير في الأسارى البالغين من الكفار بين هذه الخلال الأربع: من القتل، والاسترقاق، والفداء، والمن وذهب جماعة من المفسرين إلى نسخ المن والفداء بالقتل، لقوله: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥]، وقوله: ﴿فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ﴾ [الأنفال: ٥٧] الآية، وهو قول قتادة، ومجاهد، والحسن، والسدي.
قال أبو عبيد: لم يزل رسول الله