فذكر فعظ بالقرآن أهل مكة، ﴿فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ﴾ [الطور: ٢٩] بإنعامه عليك بالنبوة، ﴿بِكَاهِنٍ﴾ [الطور: ٢٩] وهو: الذي يوهم أنه يعلم الغيب، ويخبر بما في غد، من غير وحي، يقال: كهن يكهن كهانة، مثل: كتب يكتب كتابة، أي: لست تقول ما تقوله كهانة، ولا تنطق إلا بوحي.
أم يقولون أي: بل يقولون: شاعر هو شاعر، ﴿نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ﴾ [الطور: ٣٠] صروف الدهر وحوادثه، أي: ننتظر به حدثان الموت، وحوادث الدهر، فيهلك كما هلك من قبله من الشعراء، والمنون يكون بمعنى: الدهر، ويكون بمعنى: المنية.
قال الله تعالى: قل تربصوا انتظروا بي الموت، ﴿فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ﴾ [الطور: ٣١] من المنتظرين عذابكم، فعذبوا يوم بدر بالسيف.
﴿أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهَذَا﴾ [الطور: ٣٢] قال المفسرون: كانت عظماء قريش توصف بالأحلام والعقول، فأزرى الله بحلومهم، حين لم تتم لهم معرفة الحق من الباطل.
ثم أخبر عن طغيانهم، فقال: ﴿أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ﴾ [الطور: ٣٢] قال ابن عباس: يريد حملهم الطغيان على تكذيبك.
﴿أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ﴾ [الطور: ٣٣] افتعل القرآن، وتكذبه من تلقاء نفسه، والتقول: تكلف القول، ولا يستعمل إلا في الكذب، بل ليس الأمر على ما زعموا، لا يؤمنون بالقرآن استكبارًا.
ثم ألزمهم الحجة، فقال: ﴿فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ﴾ [الطور: ٣٤] مثل القرآن في نظمه، وحسن بيانه، ﴿إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ﴾ [الطور: ٣٤] أن محمدًا تقوله.
ثم احتج عليهم بابتلاء الخلق، فقال: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ﴾ [الطور: ٣٥] قال الزجاج: أم خلقوا لغير شيء، أي: أخلقوا باطلًا، لا يحاسبون، ولا يؤمرون، ولا ينهون، ونحو هذا.
قال ابن كيسان: أم خلقوا عبثًا، وتركوا سدى، لا يؤمرون ولا ينهون.
﴿أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ﴾ [الطور: ٣٥] لأنفسهم، فلا يجب عليهم لله أمر.
﴿أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ﴾ [الطور: ٣٦] فيكونوا هم الخالقين؟ ليس الأمر على هذا، لا يوقنون بالحق، وهو توحيد الله، وقدرته على البعث.
﴿أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ﴾ [الطور: ٣٧] قال مقاتل: يقول: أبأيديهم مفاتيح ربك بالرسالة، فيضعونها حيث شاءوا؟ وقال الكلبي: خزائن المطر والرزق.
﴿أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ﴾ [الطور: ٣٧] أي: هم الأرباب المسلطون، فلا يكونوا تحت أمر ونهي، يفعلون ما شاءوا.
﴿أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ﴾ [الطور: ٣٨] مرقى ومصعد إلى السماء، يستمعون فيه، أي: عليه، كقوله: ﴿وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ﴾ [طه: ٧١] والمعنى: يستمعون الوحي، فيعلمون أن ما هم عليه حق، فليأت مستمعهم إن ادعى ذلك، بسلطان مبين بحجة واضحة.


الصفحة التالية
Icon