وقوله: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ [الحديد: ٢٠] يعني: الحياة في هذه الدار، ﴿لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾ [الحديد: ٢٠] يعني: حياة الكافر تكون باطلًا وغرورًا، لأنها في غير طاعة الله تعالى، وهي تنقضي عن قريب، ﴿وَزِينَةٌ﴾ [الحديد: ٢٠] يعني: أن الكافر يشتغل في جميع حياته بالتزين للدنيا، دون العمل للآخرة، ﴿وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ﴾ [الحديد: ٢٠] قال ابن عباس: يفاخر الرجل قريبه وجاره.
﴿وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ﴾ [الحديد: ٢٠] قال: يجمع ما لا يحل له تكاثرًا به، ويتطاول على أولياء الله بماله، وخدمه، وولده.
والمعنى: أنه يفني عمره في هذه الأشياء، ثم بين أن لهذه الحياة الدنيا شبها، فقال: ﴿كَمَثَلِ غَيْثٍ﴾ [الحديد: ٢٠] يعني: مطرًا، ﴿أَعْجَبَ الْكُفَّارَ﴾ [الحديد: ٢٠] الزراع، ﴿نَبَاتُهُ﴾ [الحديد: ٢٠] ما ينبت من ذلك الغيث، ﴿ثُمَّ يَهِيجُ﴾ [الحديد: ٢٠] ييبس، ﴿فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا﴾ [الحديد: ٢٠] بعد خضرته وريه، ﴿ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا﴾ [الحديد: ٢٠] يتحطم، وينكسر بعد يبسه، وشرح هذا المثل للحياة الدنيا قد تقدم في قوله: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ﴾ [الكهف: ٤٥] الآية، وفي ﴿ [يونس أيضًا،] وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ [سورة الحديد: ٢٠] قال مقاتل: لأعداء الله.
﴿وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ﴾ [الحديد: ٢٠] لأولياه، وأهل طاعته، ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ [الحديد: ٢٠] لمن اغتر بها، ولم يعمل لآخرته، قال سعيد بن جبير: متاع الغرور لمن لم يشتغل بطلب الآخرة، ومن اشغل بطلبها فله متاع بلاغ إلى ما هو خير منه.
قوله: ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [الحديد: ٢١] الآية تقدم تفسيرها في ﴿ [آل عمران، وقوله:] أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ﴾ [سورة الحديد: ٢١] في هذا أعظم رجاء، إذ ذكر أن الجنة أعدت لمن آمن، ولم يذكر مع الإيمان شيئًا آخر، ثم قال: ﴿ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ﴾ [الحديد: ٢١] فبين أنه لا يدخل أحد الجنة إلا بفضل الله.
﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ {٢٢﴾ لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴿٢٣﴾ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴿٢٤﴾ } [الحديد: ٢٢-٢٤].
﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ﴾ [الحديد: ٢٢] يعني: قحط المطر، وقلة النبات، ونقص الثمار، ﴿وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ﴾ [الحديد: ٢٢] يعني: الأمراض، وفقد الأولاد، ﴿إِلا فِي كِتَابٍ﴾ [الحديد: ٢٢] يعني: اللوح المحفوظ، ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا﴾ [الحديد: ٢٢] بخلق الأنفس، يعني: أنه أثبتها في اللوح المحفوظ، وقدرها قبل خلق الأنفس، ﴿إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ [الحديد: ٢٢] يعني: إثبات ذلك على كثرته هين على الله.
﴿لِكَيْلا تَأْسَوْا﴾ [الحديد: ٢٣] تحزنوا، ﴿عَلَى مَا فَاتَكُمْ﴾ [الحديد: ٢٣] من الدنيا، ﴿وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ﴾ [الحديد: ٢٣] بما أعطاكم الله منها، والذي يوجب نفي الأسى والفرح من هذا أن الإنسان إذا علم أن ما قضي عليه من مفرح أو محزن سيصيبه لا محالة، قل فرحه وحزنه لعلمه بذلك قبل وقوعه، وقرأ أبو عمرو بما أتاكم مقصورًا، من الإتيان عادل به، فاتكم ونقيض الفوت الإتيان، قال


الصفحة التالية
Icon