كفار مثلهم، وهم اليهود، وهو قوله: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ﴾ [الحشر: ١١] أي: من المدينة، ﴿لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ﴾ [الحشر: ١١] في خذلانكم، أحدًا أبدًا ووعدوهم النصر، بقولهم: ﴿وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ﴾ [الحشر: ١١] وكذبهم الله تعالى في ذلك بقوله: ﴿وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ [الحشر: ١١].
ثم ذكر أنهم يخلفونهم ما وعدوهم من الخروج والنصر، بقوله: ﴿لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ﴾ [الحشر: ١٢] فكان الأمر على ما ذكره الله تعالى، لأنهم أخرجوا من ديارهم، فلم يخرج معهم المنافقون، وقوتلوا فلم ينصروهم، أظهر الله كذبهم، وبان صدق ما قال الله، وقوله: ﴿وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ﴾ [الحشر: ١٢] معناه: ولئن قدر وجود نصرهم، لأن ما نفاه الله لا يجوز وجوده، قال الزجاج: معناه: لو قصدوا نصر اليهود، لولوا الأدبار منهزمين، ثم لا ينصرون.
يعني: ابن النضير لا يصيرون منصورين، إذا انهزموا ناصروهم.
لأنتم أيها المؤمنون، ﴿أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ﴾ [الحشر: ١٣] قال ابن عباس: هم منكم أشد خوفًا منهم من الله.
ذلك الخوف الذي لهم منكم من أجل، ﴿بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ﴾ [الحشر: ١٣] عظمة الله.
ثم أخبر عن اليهود، فقال: ﴿لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ﴾ [الحشر: ١٤] أي: لا يبرزون لحربكم، إنما يقاتلون متحصنين بالقرى والجدران، وهو قوله: ﴿أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ﴾ [الحشر: ١٤] ومن قرأ جدار فالمراد بالإفراد الجمع أيضًا، لأنه يعلم أنهم لا يقاتلونهم من وراء جدار واحد، ﴿بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ﴾ [الحشر: ١٤] بعضهم فظ على بعض، وبينهم مخالفة وعداوة، وهو قوله: ﴿تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى﴾ [الحشر: ١٤] أي: أنهم مختلفون، لا تستوي قلوبهم ونياتهم، لأن الله خذلهم، ذلك أي: ذلك الاختلاف، ﴿بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ﴾ [الحشر: ١٤] ما فيه الحظ لهم.
ثم ضرب لليهود مثلًا، فقال: كمثل الذين أي: مثلهم، ﴿كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا﴾ [الحشر: ١٥] يعني: مشركي مكة، ﴿ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ﴾ [الحشر: ١٥] يعني: القتل ببدر، وكان ذلك قبل غزوة بني النضير بستة أشهر، ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [الحشر: ١٥] في الآخرة.
ثم ضرب لليهود والمنافقين مثلًا، فقال: كمثل الشيطان أي: مثل المنافقين في غرورهم بني النضير وخذلانهم، ﴿كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنْسَانِ اكْفُرْ﴾ [الحشر: ١٦] وهو عابد في بني إسرائيل ذكر ابن عباس قصته، فقال: كان في بني إسرائيل عابد، عَبَدَ الله زمانًا من الدهر، حتى كان يؤتي بالمجانين يداويهم، ويعودهم فيبرأون على يده، وإنه أتى