قال مقاتل: النصيحة.
ثم ذكر أنه لا يخفي عليه من أحوالهم شيء، فقال: ﴿وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ﴾ [الممتحنة: ١] من المودة للكفار، وما أعلنتم أظهرتم بألسنتكم، ﴿وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ﴾ [الممتحنة: ١] يعني: الإسرار والإلقاء إليهم، ﴿فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾ [الممتحنة: ١] أخطأ طريق الهدى.
ثم أخبر بعداوة الكفار، فقال: إن يثقفوكم يظفروا بكم، ﴿يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ﴾ [الممتحنة: ٢] بالضرب، وألسنتهم بالشتم، ﴿وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ﴾ [الممتحنة: ٢] كما كفروا، والمعنى: التقريب إليهم بنقل أخبار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليهم.
﴿لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ﴾ [الممتحنة: ٣] يعني: قراباتهم، والمعنى: ذوو أرحامكم، يقول: لا تدعونكم، ولا تحملنكم قراباتكم، وأولادكم التي بمكة إلى خيانة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمؤمنين، فلن ينفعكم أولئك الذي عصيتم الله لأجلهم، ﴿يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ﴾ [الممتحنة: ٣] الله، بينكم فيدخل أهل طاعته والإيمان به الجنة، وأهل معصيته والكفر به إلى النار، وقرأ ابن كثير: يفصل بضم الياء، والمعنى: راجع إلى الله، كما أن قوله: ﴿خُلِقَ الإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾ [الأنبياء: ٣٧] معناه: خلق الله الإنسان، وقرئ من التفضيل بالوجهين أيضًا، ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [الممتحنة: ٣] يعني: بما عمل حاطب من مكاتبته أهل مكة، حيث أخبر نبيه بذلك.
ثم ضرب لهم إبراهيم عليه السلام مثلًا حين تبرأ من قومه، فقال: ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ {٤﴾ رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿٥﴾ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴿٦﴾ } [الممتحنة: ٤-٦].
﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ [الممتحنة: ٤] اقتداء حسن، يقال: لي به أسوة في هذا الأمر.
أي: اقتداء، أعلم الله تعالى أن إبراهيم وقومه تبرءوا من قومهم وعادوهم، وقال لهم: ﴿إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ﴾ [الممتحنة: ٤] قال الفراء: يقول أفلا تأسيت يا حاطب


الصفحة التالية
Icon