كَانَ لَهُمْ كِتَابٌ وَلَكِنَّهُ رُفِعَ، وَذَلِكَ أَنَّ مَلِكًا لَهُمْ وَقَعَ عَلَى ابْنَتِهِ، أَوْ قَالَ عَلَى أُخْتِهِ، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ لَهَا: كَيْفَ الْمَخْرَجُ مِمَّا وَقَعْتُ فِيهِ؟ قَالَتْ: تَجْمَعُ أَهْلَ مَمْلَكَتِكَ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّكَ تَرَى ذَلِكَ حَلالًا، وَتَأْمُرُهُمْ أَنْ يُحِلُّوهُ، فَجَمَعَهُمْ وَأَخْبَرَهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُبَايِعُوهُ فَخَدَّ لَهُمْ أُخْدُودًا فِي الْأَرْضِ، وَأَوْقَدَ فِيهِ النِّيرَانَ وَعَرَضَهُمْ عَلَيْهَا، فَمَنْ أَبَى قَبُولَ ذَلِكَ قَذَفَهُ فِي النَّارِ، وَمَنْ أَجَابَ خَلَّى سَبِيلَهُ
وقال الحسن: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا ذكر عنده أصحاب الأخدود، تعوذ بالله من جهد البلاء.
قوله: ﴿النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ﴾ [البروج: ٥] بدل من الأخدود، كأنه قال: قتل أصحاب النار ذات الوقود.
يعني: الذين أوقدوها لإحراق المؤمنين، وهو قوله: ﴿إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ﴾ [البروج: ٦] يعني: عند الأخدود يعذبون المؤمنين، قال ابن عباس: عندها جلوس.
وقال مقاتل: يعني: عند النار قعود، يعرضونهم على الكفر.
وقال مجاهد: كانوا قعودًا على الكراسي عند الأخدود.
وهو قوله: وهم يعني: الملك وأصحابه الذين خدوا الأخدود، ﴿عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ﴾ [البروج: ٧] من عرضهم على النار، وإرادتهم أن يرجعوا إلى دينهم، شهود حضور، قال الزجاج: أعلم الله قصة قوم بلغت بصيرتهم، وحقيقة إيمانهم، إلى أن صبروا على أن أحرقوا بالنار في الله.
﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ﴾ [البروج: ٨] الآية، قال ابن عباس: ما كرهوا منهم إلا أنهم آمنوا.
وقال مقاتل: ما عابوا منهم.
وقال الزجاج: ما أنكروا عليهم ذنبًا إلا إيمانهم.
وهذا كقوله تعالى: ﴿هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ﴾ [المائدة: ٥٩]، ﴿وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ﴾ [البروج: ٩] من فعلهم بالمؤمنين، شهيد لم يخف عليه ما صنعوا.
ثم أعلم ما أعد لأولئك، فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ [البروج: ١٠] حرقوهم بالنار، يقال: فتنت الشيء أحرقته.
ومنه قوله تعالى: ﴿يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ﴾ [الذاريات: ١٣]، ﴿ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا﴾ [البروج: ١٠] من فعلهم ذلك، ومن الشرك الذي كانوا عليه، ﴿فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ﴾ [البروج: ١٠] بكفرهم، ﴿وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ﴾ [البروج: ١٠] بما أحرقوا المؤمنين، قال الربيع بن أنس: وذلك أن النار ارتفعت من الأخدود إلى الملك وأصحابه فأحرقتهم.
وهو قول الكلبي.
ثم ذكر ما أعد للمؤمنين الذين حرقوا بالنار، فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ {١١﴾ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ﴿١٢﴾ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ ﴿١٣﴾ وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ﴿١٤﴾ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ ﴿١٥﴾ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ﴿١٦﴾ هَلْ أَتَاكَ