وقال قتادة: لما نعت الله ما في الجنة، عجب من ذلك أهل الضلالة، فأنزل الله: ﴿أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ {١٧﴾ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ ﴿١٨﴾ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ ﴿١٩﴾ وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ﴿٢٠﴾ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ ﴿٢١﴾ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ ﴿٢٢﴾ إِلا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ ﴿٢٣﴾ فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الأَكْبَرَ ﴿٢٤﴾ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ﴿٢٥﴾ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ﴿٢٦﴾ } [الغاشية: ١٧-٢٦].
﴿أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ [الغاشية: ١٧] وكانت الإبل عيشًا من عيشهم، يقول: أفلا ينظرون إليها، وما يخرج الله من ضروعها، من بين فرث ودم لبنًا خالصًا، سائغًا للشاربين؟ ! يقول: فكما صنعت هذا لكم، فكذلك أصنع لأهل الجنة في الجنة.
وقال أبو عمرو بن العلاء: خص الإبل، لأنها من ذوات الأربع، تبرك فتحمل عليها الحمولة.
وغيرها من ذوات الأربع لا يحمل عليه، إلا وهو قائم، وقال الزجاج: نبههم على عظيم من خلقه، قد ذلله الصغير، يقوده، وينيخه، وينهضه، ويحمل عليه الثقيل من الحمل وهو بارك، فينهض بثقل حمله، وليس ذلك في شيء من الحوامل غيره، فأراهم عظيمًا من خلقه، ليدل بذلك على توحيده.
وسئل الحسن عن هذه الآية، وقيل له: الفيل أعظم في الأعجوبة.
فقال: أما الفيل فالعرب بعيدة العهد به، ثم هو خنزير لا يركب ظهره، ولا يؤكل لحمه، ولا يحلب دره، والإبل من أعز مال العرب وأنفسه، تأكل النوى والقت، وتخرج اللبن، ويأخذ الصبي بزمامها، فيأخذ بها حيث شاء من عظمها في نفسها.
ويحكى: أن فأرة أخذت بزمام ناقة، فجعلت تجره وهي تتبعها، حتى دخلت في الجحر، فجرت الزمام، فبركت، فجرت، فقربت فمها من جحر الفأرة، وكان شريح يقول: اخرجوا بنا إلى الكناسة، حتى ننظر إلى الإبل كيف خلقت.
ثم قال الله: ﴿وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ﴾ [الغاشية: ١٨] يعني: من الأرض، حتى لا ينالها شيء، بغير عمد.
﴿وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ﴾ [الغاشية: ١٩] على الأرض مرساة لا تزول.
﴿وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ﴾ [الغاشية: ٢٠] بسطت، والسطح بسط الشيء، ويقال لظهر البيت إذا كان مستويًا: سطح.
قال عطاء، عن ابن عباس: يقول: هل يقدر أحد أن يخلق مثل الإبل، أو يرفع مثل السماء، أو ينصب مثل الجبال، أو يسطح مثل الأرض، غيري؟ وهل يفعل مثل هذا الفعل أحد سواي؟ قوله: {فَذَكِّرْ