الفراء، والزجاج، وذلك أن الأوقات إنما يفضل بعضها على بعض بما يكون فيه من الخير والنفع، فلما جعل الله تعالى الخير الكبير في ليلة القدر، كانت خيرًا من ألف شهر لا يكون فيها من الخير والبركة ما يكون في هذه الليلة، وقال عطاء، عن ابن عباس: ذكر لرسول الله، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رجل من بني إسرائيل حمل السلاح على عاتقه في سبيل الله ألف شهر، فعجب لذلك رسول الله، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عجبًا شديدًا، وتمنى أن يكون مثل ذلك في أمته، فقال: يا رب، جعلت أمتى أقصر الأمم أعمارًا، وأقلها أعمالًا.
فأعطاه الله تعالى ليلة القدر، فقال: ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾ [القدر: ٣] الذي حمل الإسرائيلي السلاح في سبيل الله لك، ولأمتك من بعدك إلى يوم القيامة في كل رمضان.
ثم أخبر بما يكون في تلك الليلة، فقال: ﴿تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ﴾ [القدر: ٤] يعني: جبريل فيها، قال المفسرون: تنزل الملائكة ومعهم جبريل في ليلة القدر، بالرحمة من الله، والسلام على أوليائه، فيسلمون على كل عبد قائم، أو قاعد يذكر الله.
وهو قوله: ﴿بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ﴾ [القدر: ٤] أي: بكل أمر من الخير والبركة، وهذا كقوله تعالى: ﴿يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾ [الرعد: ١١] أي: بأمره.
سلام قال عطاء: يريد: سلام على أولياء الله، وأهل طاعته.
وقال الكلبي: كلما لقي الملائكة مؤمنًا، أو مؤمنة في ليلة القدر، سلموا عليه من ربه.
وقال مجاهد: إن ليلة القدر سالمة من أن يحدث فيها داء، أو يستطيع شيطان أن يعمل فيها.
وسلام يعني سلامة، أي: سلامة، ﴿هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾ [القدر: ٥] والمطلع مصدر بمعنى: الطلوع، ومن قرأ بكسر اللام، فهو اسم لوقت الطلوع.