فِيهَا الْمَوْتَ إِلا الْمَوْتَةَ الأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ﴿٥٦﴾ فَضْلا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿٥٧﴾ } [الدخان: ٥١-٥٧].
﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ﴾ [الدخان: ٥١] أمنوا فيه الغير من الموت والحوادث، والمقام: المجلس كقوله: ومقام كريم، وقرئ بضم الميم، يراد به: موضع الإقامة، ومعنى القراءتين واحد.
وما بعد هذا مفسر فيما تقدم إلى قوله: كذلك أي: الأمر كما وصفنا، ﴿وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ﴾ [الدخان: ٥٤] أي: قرناهم بهن، وليس من عقد التزويج، لأنه لا يقال: زوجته بامرأة.
وقال أبو عبيدة: جعلناهم أزواجًا بهن، كما يزوج النعل بالنعل، أي: جعلناهم اثنين اثنين.
ونحو هذا، قال الأخفش: جعلناهم أزواجًا بالحور.
وهن البيض الوجوه، وقال أبو عبيدة: الحوراء: الشديدة بياض العين، الشديدة سوادها.
والعين جمع عيناء، وهي: العظيمة العينين.
﴿يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ﴾ [الدخان: ٥٥] من التخم، والأسقام، والأوجاع.
﴿لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلا الْمَوْتَةَ الأُولَى﴾ [الدخان: ٥٦] أي: سوى الموتة التي ذاقوها في الدنيا، وهذا قول الفراء، والزجاج، وقالا: إلا بمعنى سوى.
كقوله: ﴿وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ﴾ [النساء: ٢٢] أي: سوى ما قد سلف، وقال ابن قتيبة: إنما استثنى الموتة الأولى، وهي في الدنيا، من موت في الجنة، لأن السعداء حين يموتون، يصيرون بلطف الله وقدرته، إلى أسباب من الجنة، يلقون الروح والريحان، ويرون منازلهم من الجنة، ويفتح لهم أبوابها، فإذا ماتوا في الدنيا، فكأنهم ماتوا في الجنة، لاتصالهم بأسبابها، ومشاهدتهم إياها.
وقوله: ﴿فَضْلا مِنْ رَبِّكَ﴾ [الدخان: ٥٧] أي: فعل الله ذلك بهم فضلًا منه.
﴿فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ {٥٨﴾ فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ ﴿٥٩﴾ } [الدخان: ٥٨-٥٩].
﴿فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ﴾ [الدخان: ٥٨] هونا القرآن على لسانك، لعلهم يتذكرون لكي يتعظوا، فيؤمنوا به.
فارتقب فانتظر بهم العذاب، إنهم مرتقبون منتظرون هلاكك.


الصفحة التالية
Icon