يحتجون فِي قولهم يقولون: هُوَ الله بأنه كَانَ يَحْيَى الموتى، ويبرئ الأسقام، ويخبر بالغيوب، ويخلق من الطين كهيئة الطير، ثُمَّ ينفخ فِيهِ، فيكون طائرا، وذلك كله بإذن الله ليجعله آية للناس ويحتجون فِي قولهم، بأنه ولد أنهم يقولون: لم يكن لَهُ أب يعلم، وقد تكلم فِي المهد شيئا لم يصنعه أحد من ولد آدم قبله، ويحتجون فِي قولهم: إنه ثالث ثلاثة بقول الله عَزَّ وَجَلَّ: فعلنا، وأمرنا، وخلقنا، وقضينا، فيقولون: لو كَانَ واحدا مَا قَالَ: إِلا فعلت وأمرت وقضيت وخلقت، ولكنه هُوَ، وعِيسَى ابْن مَرْيَمَ، ففي ذَلِكَ من
قولهم، فَلَمَّا كلمه الحبران، قَالَ لهما رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أسلما "، قالا: قَدْ أسلمنا قبلك، قَالَ: " كذبتما يمنعكما من الإسلام دعاؤكما لله ولدا، وعبادتكما الصليب، وأكلكما الخنزير "، قالا: فمن أبوه يَا محمد؟ قَالَ: فصمت رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلم يجبهما، فَأَنْزَلَ اللهُ تبارك وتعالى فِي ذَلِكَ من قولهم، واختلاف أمرهم كله صدر سورة آل عمران إِلَى بضع وثمانين آية مِنْهَا، فَقَالَ: ﴿الم اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾، فافتتح السورة بتنزيه نفسه مِمَّا قالوه، وتوحيده إياها بالخلق والأمر لا شريك لَهُ فِيهِ وردا عَلَيْهِمْ مَا ابتدعوا من الكفر، وجعلوا معه من الأنداد، واحتجاجا عَلَيْهِمْ بقولهم فِي صاحبهم لتعرفهم بذلك ضلالتهم، فَقَالَ: ﴿الم اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ﴾ أي: لَيْسَ معه غيره شريك فِي أمره، ﴿الْحَيُّ﴾ الَّذِي لا يموت، وقد مات عِيسَى، وصلب فِي قولهم،