شَيْطَانُنَا الْمُغْوِي عَدُوٌّ فَاعْتَصِمْ بِاللَّهِ مِنْهُ وَالْتَجِي وَتَعَوَّذِ
وَعَدُوُّكَ الْإِنْسِيُّ دَارِ وِدَادَهُ تَمْلِكْهُ وَادْفَعْ بِالَّتِي فَإِذَا الَّذِي
(الرَّابِعُ) فِي الْوَقْفِ عَلَى الِاسْتِعَاذَةِ وَقَلَّ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ مِنْ مُؤَلِّفِي الْكُتُبِ، وَيَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَى الِاسْتِعَاذَةِ وَالِابْتِدَاءُ بِمَا بَعْدَهَا بَسْمَلَةً كَانَ أَوْ غَيْرَهَا، وَيَجُوزُ وَصْلُهُ بِمَا بَعْدَهَا، وَالْوَجْهَانِ صَحِيحَانِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الدَّانِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْأَوْلَى وَصْلُهَا بِالْبَسْمَلَةِ ; لِأَنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِهِ " الِاكْتِفَاءُ ": الْوَقْفُ عَلَى آخِرِ التَّعَوُّذِ تَامٌّ، وَعَلَى آخِرِ الْبَسْمَلَةِ أَتَمُّ. وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ الْبَاذِشِ، وَرَجَّحَ الْوَقْفَ لِمَنْ مَذْهَبُهُ التَّرْتِيلُ، فَقَالَ فِي كِتَابِهِ " الْإِقْنَاعُ ": لَكَ أَنْ تَصِلَهَا - أَيِ: الِاسْتِعَاذَةَ - بِالتَّسْمِيَةِ فِي نَفَسٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ أَتَمُّ وَلَكَ أَنْ تَسْكُتَ عَلَيْهَا، وَلَا تَصِلَهَا بِالتَّسْمِيَةِ، وَذَلِكَ أَشْبَهُ بِمَذْهَبِ أَهْلِ التَّرْتِيلِ. فَأَمَّا مَنْ لَمْ يُسَمِّ - يَعْنِي مَعَ الِاسْتِعَاذَةِ - فَالْأَشْبَهُ عِنْدِي أَنْ يَسْكُتَ عَلَيْهَا، وَلَا يَصِلَهَا بِشَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ، وَيَجُوزُ وَصْلُهَا. قُلْتُ: هَذَا أَحْسَنُ مَا يُقَالُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَمُرَادُهُ بِالسَّكْتِ الْوَقْفُ؛ لِإِطْلَاقِهِ وَلِقَوْلِهِ فِي نَفَسٍ وَاحِدٍ. وَكَذَلِكَ نَظَمَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو حَيَّانَ فِي قَصِيدَتِهِ حَيْثُ قَالَ:
وَقِفْ بَعْدُ أَوْ صِلَا
. وَعَلَى الْوَصْلِ لَوِ الْتَقَى مَعَ الْمِيمِ مِثْلُهَا نَحْوُ: (الرَّحِيمِ مَا نَنْسَخْ) - أَدْغَمَ لِمَنْ مَذْهَبُهُ الْإِدْغَامُ، كَمَا يَجِبُ حَذْفُ هَمْزَةِ الْوَصْلِ فِي نَحْوِ: (الرَّحِيمِ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا) وَنَحْوِ: (الرَّحِيمِ الْقَارِعَةُ). وَقَدْ وَرَدَ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْقَصَبَانِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ غَالِبٍ، عَنْ شُجَاعٍ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو أَنَّهُ كَانَ يُخْفِي الْمِيمَ مِنَ الرَّحِيمِ عِنْدَ بَاءِ بِسْمِ اللَّهِ، وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنُ شَيْطَا، وَأَكْثَرُ الْعِرَاقِيِّينَ سِوَى وَصْلِ الِاسْتِعَاذَةِ بِالْبَسْمَلَةِ، كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْبَسْمَلَةِ.
(الْخَامِسُ) فِي حُكْمِ الِاسْتِعَاذَةِ اسْتِحْبَابًا وَوُجُوبًا
وَهِيَ مَسْأَلَةٌ لَا تَعَلُّقَ لِلْقِرَاءَاتِ بِهَا، وَلَكِنْ لَمَّا ذَكَرَهَا شُرَّاحُ الشَّاطِبِيَّةِ لَمْ يَخْلُ كِتَابُنَا مِنْ ذِكْرِهَا؛ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنَ الْفَوَائِدِ. وَقَدْ تَكَفَّلَ أَئِمَّةُ التَّفْسِيرِ وَالْفُقَهَاءِ بِالْكَلَامِ فِيهَا، وَنُشِيرُ إِلَى مُلَخَّصِ مَا ذُكِرَ فِيهَا مِنْ مَسَائِلَ (الْأُولَى) ذَهَبَ الْجُمْهُورُ


الصفحة التالية
Icon