فِي وَجْهَيِ الْإِسْكَانِ وَالصِّلَةِ مِنْ مِيمِ الْجَمْعِ لِقَالُونَ إِلَّا بِوَجْهٍ وَاحِدٍ مُعْتَمِدِينَ ظَاهِرَ قَوْلَيِ الشَّاطِبِيِّ وَقَالُونَ بِتَخْيِيرِهِ جَلَا، وَسَيَأْتِي ذَلِكَ.
(رَابِعُهَا) يَجُوزُ بَيْنَ الْأَنْفَالِ وَبَرَاءَةَ إِذَا لَمْ يَقْطَعْ عَلَى آخِرِ الْأَنْفَالِ كُلٌّ مِنَ الْوَصْلِ وَالسَّكْتِ وَالْوَقْفِ لِجَمِيعِ الْقُرَّاءِ. أَمَّا الْوَصْلُ لَهُمْ فَظَاهِرٌ ; لِأَنَّهُ كَانَ جَائِزًا مَعَ وُجُودِ الْبَسْمَلَةِ، فَجَوَازُهُ مَعَ عَدَمِهَا أَوْلَى عَنِ الْفَاصِلِينَ وَالْوَاصِلِينَ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ غَلْبُونَ فِي قِرَاءَةِ مَنْ لَمْ يَفْصِلْ، وَهُوَ فِي قِرَاءَةِ مَنْ يَصِلُ أَظْهَرُ، وَأَمَّا السَّكْتُ فَلَا إِشْكَالَ فِيهِ عَنْ أَصْحَابِ السَّكْتِ، وَأَمَّا عَنْ غَيْرِهِمْ مِنَ الْفَاصِلِينَ وَالْوَاصِلِينَ فَمَنْ نَصَّ عَلَيْهِ لَهُمْ وَلِسَائِرِ الْقُرَّاءِ أَبُو مُحَمَّدٍ مَكِّيٌّ فِي تَبْصِرَتِهِ، فَقَالَ: وَأَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِ الْفَصْلِ بَيْنَ الْأَنْفَالِ وَبَرَاءَةَ لِإِجْمَاعِ الْمَصَاحِفِ عَلَى تَرْكِ التَّسْمِيَةِ بَيْنَهُمَا. فَأَمَّا السَّكْتُ بَيْنَهُمَا فَقَدْ قَرَأْتُ بِهِ لِجَمَاعَتِهِمْ، وَلَيْسَ هُوَ مَنْصُوصًا، وَحَكَى أَبُو عَلِيٍّ الْبَغْدَادِيُّ فِي رَوْضَتِهِ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْحَمَّامِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ بِسَكْتَةٍ بَيْنَهُمَا لِحَمْزَةَ وَحْدَهُ. فَقَالَ: وَكَانَ حَمْزَةُ وَخَلَفٌ وَالْأَعْمَشُ يَصِلُونَ السُّورَةَ إِلَّا مَا ذَكَرَهُ الْحَمَّامِيُّ، عَنْ حَمْزَةَ أَنَّهُ سَكَتَ بَيْنَ الْأَنْفَالِ وَالتَّوْبَةِ، وَعَلَيْهِ أُعَوِّلُ. انْتَهَى، وَإِذَا أُخِذَ بِالسَّكْتِ عَنْ حَمْزَةَ فَالْأَخْذُ عَنْ غَيْرِهِ أَحْرَى. قَالَ الْأُسْتَاذُ الْمُحَقِّقُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْقَصَّاعِ فِي كِتَابِهِ " الِاسْتِبْصَارُ فِي الْقِرَاءَاتِ الْعَشْرِ ": وَاخْتُلِفَ فِي وَصْلِ الْأَنْفَالِ بِالتَّوْبَةِ فَبَعْضُهُمْ يَرَى وَصْلَهُمَا، وَيَتَبَيَّنُ الْإِعْرَابَ وَبَعْضُهُمْ يَرَى السَّكْتَ بَيْنَهُمَا. انْتَهَى.
(قُلْتُ) : وَإِذَا قُرِئَ بِالسَّكْتِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَلَا يَتَأَتَّى وَجْهُ إِسْرَارِ الْبَسْمَلَةِ عَلَى مَذْهَبِ سِبْطِ الْخَيَّاطِ الْمُتَقَدِّمِ، إِذْ لَا بَسْمَلَةَ بَيْنَهُمَا يَسْكُتُ بِقَدْرِهَا، فَاعْلَمْ ذَلِكَ. وَأَمَّا الْوَقْفُ فَهُوَ الْأَقْيَسُ، وَهُوَ الْأَشْبَهُ بِمَذْهَبِ أَهْلِ التَّرْتِيلِ، وَهُوَ اخْتِيَارِي فِي مَذْهَبِ الْجَمِيعِ ; لِأَنَّ أَوَاخِرَ السُّوَرِ مِنْ أَتَمِ التَّمَامِ. وَإِنَّمَا عُدِلَ عَنْهُ فِي مَذْهَبِ مَنْ لَمْ يَفْصِلْ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى آخَرِ السُّوَرِ لَلَزِمَتِ الْبَسْمَلَةُ أَوَائِلَ السُّوَرِ، وَمِنْ أَجْلِ الِابْتِدَاءِ. وَإِنْ لَمْ يُؤْتَ بِهَا خُولِفَ الرَّسْمُ فِي الْحَالَتَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاللَّازِمُ هُنَا مُنْتَفٍ وَالْمُقْتَضَى لِلْوَقْفِ قَائِمٌ، فَمِنْ ثَمَّ اخْتَرْنَا الْوَقْفَ، وَلَا نَمْنَعُ غَيْرَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.


الصفحة التالية
Icon