فِي الْمُتَّصِلِ، وَفَحْوَى كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ بَلِّيمَةَ فِي تَلْخِيصِهِ تُعْطِيهِ، وَالْآخِذُونَ مِنَ الْأَئِمَّةِ بِالْأَمْصَارِ عَلَى خِلَافِهِ. نَعَمْ، اخْتَلَفَتْ آرَاءُ أَهْلِ الْأَدَاءِ مِنْ أَئِمَّتِنَا فِي تَعْيِينِ هَذَا الْقَدْرِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ، فَالْمُحَقِّقُونَ مِنْهُمْ عَلَى أَنَّهُ الْإِشْبَاعُ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى إِطْلَاقِ تَمْكِينِ الْمَدِّ فِيهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ دُونَ مَا مُدَّ لِلْهَمْزِ، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْأُسْتَاذُ الْعَلَّامَةُ أَبُو الْحَسَنِ السَّخَاوِيُّ فِي قَصِيدَتِهِ بِقَوْلِهِ:

وَالْمَدُّ مِنْ قَبْلِ الْمُسَكَّنِ دُونَ مَا قَدْ مُدَّ لِلْهَمَزَاتِ بِاسْتِيقَانِ
يَعْنِي أَنَّهُ دُونَ أَعْلَى الْمَرَاتِبِ وَفَوْقَ التَّوَسُّطِ، وَكُلُّ ذَلِكَ قَرِيبٌ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي تَفَاضُلِ ذَلِكَ عَلَى بَعْضٍ، فَذَهَبَ كَثِيرٌ إِلَى أَنَّ مَدَّ الْمُدْغَمِ مِنْهُ أَشْبَعُ تَمْكِينًا مِنَ الْمُظْهَرِ مِنْ أَجْلِ الْإِدْغَامِ، لِاتِّصَالِ الصَّوْتِ فِيهِ وَانْقِطَاعِهِ فِي الْمُظْهَرِ، فَعَلَى هَذَا يُزَادُ إِشْبَاعُ لَامٍ عَلَى إِشْبَاعِ مِيمٍ مِنْ أَجْلِ الْإِدْغَامِ، وَكَذَلِكَ (دَابَّةٍ) بِالنِّسْبَةِ إِلَى (مَحْيَايْ) عِنْدَ مَنْ أَسْكَنَ، وَيَنْقُصُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ (صَادْ ذِكْرُ، وَسِينْ مِيمْ نُونْ وَالْقَلَمِ) عِنْدَ مَنْ أَظْهَرَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ أَدْغَمَ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيِّ، ذَكَرَهُ فِي كِتَابِهِ. وَمَذْهَبُ ابْنِ مُجَاهِدٍ فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ الشَّذَائِيُّ، وَمَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شُرَيْحٍ، وَقَبِلَهُ الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ وَجَوَّدَهُ، وَقَالَ: بِهِ كَانَ يَقُولُ شَيْخُنَا الْحَسَنُ بْنُ سُلَيْمَانَ، يَعْنِي الْأَنْطَاكِيَّ، وَقَالَ: وَإِيَّاهُ كَانَ يَخْتَارُ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى عَكْسِ ذَلِكَ، وَهُوَ أَنَّ الْمَدَّ فِي غَيْرِ الْمُدْغَمِ فَوْقَ الْمُدْغَمِ، وَقَالَ ; لِأَنَّ الْمُدْغَمَ يَتَحَصَّنُ وَيَقْوَى بِالْحَرْفِ الْمُدْغَمِ فِيهِ بِحَرَكَتِهِ. فَكَأَنَّ الْحَرَكَةَ فِي الْمُدْغَمِ فِيهِ حَاصِلَةٌ فِي الْمُدْغَمِ، فَقَوِيَ بِتِلْكَ الْحَرَكَةِ وَإِنْ كَانَ الْإِدْغَامُ يُخْفِي الْحَرْفَ، وَذَكَرَهُ أَبُو الْعِزِّ فِي كِفَايَتِهِ، وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ مَدِّ الْمُدْغِمِ وَالْمُظْهِرِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ؛ إِذِ الْمُوجِبُ لِلْمَدِّ هُوَ الْتِقَاءُ السَّاكِنَيْنِ، وَالْتِقَاؤُهُمَا مَوْجُودٌ، فَلَا مَعْنًى لِلتَّفْصِيلِ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَئِمَّةِ الْعِرَاقِيِّينَ قَاطِبَةً، وَلَا يُعْرَفُ نَصٌّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ مُؤَلِّفِيهِمْ بِاخْتِيَارِ خِلَافِهِ، قَالَ الدَّانِيُّ: وَهَذَا مَذْهَبُ أَكْثَرِ شُيُوخِنَا، وَبِهِ قَرَأْتُ عَلَى أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا الْبَغْدَادِيِّينَ وَالْمِصْرِيِّينَ، قَالَ: وَإِلَيْهِ كَانَ


الصفحة التالية
Icon