مِنْ قِرَاءَتِكَ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ فَارْفَعْ يَدَيْكَ فِي الدُّعَاءِ قَبْلَ الرُّكُوعِ.
(قُلْتُ) : إِلَى أَيِّ شَيْءٍ تَذْهَبُ فِي هَذَا؟ قَالَ: رَأَيْتُ أَهْلَ مَكَّةَ يَفْعَلُونَ، وَكَانَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ يَفْعَلُهُ مَعَهُمْ بِمَكَّةَ. قَالَ عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ: وَكَذَلِكَ أَدْرَكْتُ النَّاسَ بِالْبَصْرَةِ وَبِمَكَّةَ، وَرَوَى أَهْلُ الْمَدِينَةِ فِي هَذَا أَشْيَاءَ، وَذُكِرَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَقَالَ الْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ فَقُلْتُ: أَخْتِمُ الْقُرْآنَ أَجْعَلُهُ فِي التَّرَاوِيحِ، أَوْ فِي الْوَتْرِ؟ قَالَ: اجْعَلْهُ فِي التَّرَاوِيحِ يَكُونُ لَنَا دُعَاءً بَيْنَ اثْنَيْنِ. قُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ؟ قَالَ: إِذَا فَرَغْتَ مِنْ آخِرِ الْقُرْآنِ فَارْفَعْ يَدَيْكَ قَبْلَ أَنْ تَرْكَعَ وَادْعُ بِنَا، وَنَحْنُ فِي الصَّلَاةِ وَأَطِلِ الْقِيَامَ. قُلْتُ: بِمَ أَدْعُو؟ قَالَ: بِمَا شِئْتَ، قَالَ: فَفَعَلْتُ كَمَا أَمَرَنِي، وَهُوَ خَلْفِي يَدْعُو قَائِمًا وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ. وَرُوِّينَا فِي كِتَابِ فَضَائِلِ الْقُرْآنِ لِأَبِي عُبَيْدٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَانَ بِالْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ عَلَى أَصْحَابٍ لَهُ، فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَضَعُ عَلَيْهِ الرُّقَبَاءَ، فَإِذَا كَانَ عِنْدَ الْخَتْمِ جَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَشَهِدَهُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ: يُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ بَعْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ اسْتِحْبَابًا يَتَأَكَّدُ تَأْكِيدًا شَدِيدًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُلِحَّ فِي الدُّعَاءِ وَأَنْ يَدْعُوَ بِالْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ وَالْكَلِمَاتِ الْجَامِعَةِ وَأَنْ يَكُونَ مُعْظَمُ ذَلِكَ، بَلْ كُلُّهُ فِي أُمُورِ الْآخِرَةِ وَأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَصَلَاحِ سُلْطَانِهِمْ وَسَائِرِ وُلَاةِ أُمُورِهِمْ، وَفِي تَوْفِيقِهِمْ لِلطَّاعَاتِ وَعِصْمَتِهِمْ مِنَ الْمُخَالَفَاتِ وَتَعَاوُنِهِمْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَقِيَامِهِمْ بِالْحَقِّ وَاجْتِمَاعِهِمْ عَلَيْهِ وَظُهُورِهِمْ عَلَى أَعْدَاءِ الدِّينِ. انْتَهَى. وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى اسْتِحْبَابِ الدُّعَاءِ عِنْدَ الْخَتْمِ، وَكَذَا جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ. وَكَانَ بَعْضُ شُيُوخِنَا يَخْتَارُ أَنَّ الْقَارِئَ عَلَيْهِ إِذَا خَتَمَ - هُوَ الَّذِي يَدْعُو؛ لِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ. وَسَائِرُ مَنْ أَدْرَكْنَاهُمْ غَيْرَهُ يَدْعُو الشَّيْخُ، أَوْ مَنْ يُلْتَمَسُ بَرَكَتُهُ مِنْ حَاضِرِي الْخَتْمِ. وَالْأَمْرُ فِي هَذَا سَهْلٌ إِذِ الدَّاعِي وَالْمُؤَمِّنُ وَاحِدٌ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَأَبُو صَالِحٍ وَعِكْرِمَةُ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: دَعَا مُوسَى وَأَمَّنَ هَارُونُ. فَالدَّاعِي وَالْمُؤَمِّنُ وَاحِدٌ. وَكَانَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَجْمَعُ أَهْلَهُ وَجِيرَانَهُ عِنْدَ الْخَتْمِ رَجَاءَ