عن كثير من الوجوه التي وجهها عليها من زعم أن الأحرف في صورة الكتبة وفي التقديم والتأخير والزيادة والنقصان؛ لأن الرخصة كانت من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والعرب ليس لهم يومئذ كتاب يعتبرونه، ولا رسم يتعارفونه، ولا يقف أكثرهم من الحروف على كتبه، ولا يرجعون منها إلى صورة، وإنما كانوا يعرفون الألفاظ بجرسها، أي بصوتها، ويجدونها بمخارجها، ولم يدخل عليهم يومئذ من اتفاق الحروف ما دخل بعدهم على الكتبين من اشتباه الصور، وكان أكثرهم لا يعلم بين الزاي والسين سببا، ولا بين الصاد والضاد نسبا".
قال: "فإن قيل: فإنا نجد حروفا متباينة المخارج، وهي متفقة الصور يقرءون بها، مثل "ننشرها" و ﴿نُنْشِزُهَا﴾ (١)، فإن العلة في ذلك تقارب معانيها، وإن تباعدت مخارجها، وليس بعجب أن يتوافى لحرفين [٤٩ ظ] متباينين في اللفظ، متقاربين في المخرج صورة تجمعهما وسمة تأخذهما، كما أنه ليس بعجب أن يتوافى في اللفظ الواحد معنيان متباينان، يسوغ بها القول ويحملها التأويل. ألا ترى أن الذين أخذت عنهم القراءة إنما تلقوها سماعا وأخذوها مشافهة وإنما القراءة سنة يأخذها الآخر عن الأول، ولا يلتفت في ذلك إلى الصحف ولا إلى ما جاء من وراء وراء، وإنما أخذت الرخصة في ذلك بالأمة الأمية، والعصبة المعدية، فلما كانت الرخصة وهم كانوا العلة، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب وإن الشهر هكذا وهكذا" (٢)، وجعل يشير بأصابعه عد العرب".

(١) البقرة: ٢٥٩، انظر ص١١٤.
(٢) البخاري ٢/ ٢٣٠، مسلم ٣/ ١٢٤، أبو داود ٢/ ٢٩٨.


الصفحة التالية
Icon