وأما قوله: "إن نسخ القرآن بالإجماع فيه اختلاف"، فالمحققون من الأصوليين لا يرضون هذه العبارة، بل يقولون: الإجماع لا ينسخ به؛ إذ لا نسخ بعد انقطاع الوحي، وما نسخ بالإجماع، فالإجماع يدل على ناسخ قد سبق في زمن نزول الوحي من كتاب أو سنة.
ثم قال مكي رحمه الله:
"فإن سأل سائل: ما العلة التي من أجلها كثر الاختلاف عن هؤلاء الأئمة، وكل واحد منهم قد انفرد بقراءة اختارها مما قرأ به على أئمته"؟
قال: "فالجواب: أن كل واحد من الأئمة قرأ على جماعات بقراءات مختلفة فنقل ذلك على ما قرأ، فكانوا في برهة من أعمارهم، يقرءون الناس بما قرءوا، فمن قرأ عليهم بأي حرف كان لم يردوه عنه؛ إذ كان ذلك مما قرءوا به على أئمتهم".
"ألا ترى أن نافعا قال: قرأ على سبعين من التابعين، فما اتفق عليه اثنان أخذته، وما شك فيه واحد تركته. يريد -والله أعلم- مما خالف المصحف. وكان من قرأ عليه بما اتفق فيه اثنان من أئمته لم ينكر عليه ذلك".
"وقد روي عنه أنه كان يقرئ الناس بكل ما قرأ به حتى يقال له: نريد أن نقرأ عليك باختيارك مما رويت".
"وهذا قالون (١) ربيبه وأخص الناس به، وورش (٢) أشهر الناس المتحملين

(١) هو عيسى بن مينا بن وردان بن عيسى، أبو موسى المدني، أحد القراء المشهورين من أهل المدينة، سماه أستاذه نافع بقالون لجودة قراءته، كان أصم لا يسمع البوق، فإذا قرئ عليه القرآن يسمعه ويفهم خطأه ولحنه بالشفة، توفي سنة ٢٢٠هـ على خلاف "معجم الأدباء ٦/ ١٠٣، غاية النهاية ١/ ٦١٥، شذرات الذهب ٢/ ٤٨".
(٢) هو عثمان بن سعيد بن عدي بن غزوان، أبو سعيد المصري، المعروف بورش، من كبار القراء، توفي سنة ١٩٧هـ "معجم الأدباء ٥/ ٣٣، غاية النهاية ١/ ٥٠٢، سراج القارئ ص٩".


الصفحة التالية
Icon