وما رواه داود عن الشعبي، يعد قولا رابعا في معنى قوله تعالى: ﴿أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآن﴾ (١)، وكأنه نزل عرضه وإحكامه في رمضان من كل سنة منزلة إنزاله فيه، مع أنه قد لا ينفك من إحداث إنزال ما لم ينزل أو تغيير بعض ما نزل بنسخ أو إباحة [٧ ظ] تغيير بعض ألفاظه على ما سيأتي، وإن ضم إلى ذلك كونه ابتدأ نزوله في شهر رمضان ظهرت قوته.
وقد أوضحنا في "كتاب شرح حديث المبعث" (٢) : أن أول ما نزل على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ (٣)، وذلك بحراء عند ابتداء نبوته، ويجوز أن يكون قوله: ﴿أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآن﴾ إشارة إلى كل ذلك، وهو كونه أنزل جملة إلى السماء الدنيا وأول نزوله إلى الأرض وعرضه وإحكامه في شهر رمضان، فقويت ملابسة شهر رمضان للقرآن، إنزالا جملة وتفصيلا وعرضا وإحكاما، فلم يكن شيء من الأزمان تحقق له من الظرفية للقرآن ما تحقق لشهر رمضان، فلمجموع هذه المعاني قيل: ﴿أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآن﴾.
فإن قلت: ما السر في إنزاله جملة إلى السماء الدنيا؟
قلت: فيه تفخيم لأمره وأمر من أنزل عليه، وذلك بإعلام سكان السماوات السبع أن هذا آخر الكتب، المنزل على خاتم الرسل لأشرف الأمم، قد قربناه إليهم لننزله عليهم، ولولا أن الحكمة الإلهية اقتضت وصوله إليهم منجما بحسب الوقائع لم نهبط به إلى الأرض جملة كسائر الكتب المنزلة قبله، ولكن الله تعالى باين بينه فجمع له الأمرين إنزاله جملة ثم إنزاله مفرقا.
(٢) انظر: الحاشية رقم ٢ ص٢٠.
(٣) العلق: ١.