قلت: هذا سؤال قد تولى الله سبحانه الجواب عنه فقال في كتابه العزيز: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً﴾ (١)، يعنون كما أنزل على من كان قبله من الرسل، فأجابهم الله تعالى بقوله ﴿كَذَلِك﴾ أي أنزلناه كذلك مفرقا ﴿لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَك﴾ أي لنقوي به قلبك، فإن الوحي إذا كان يتجدد في كل حادثة كان أقوى للقلب وأشد عناية بالمرسل إليه، ويستلزم ذلك كثرة نزول الملك عليه وتجديد العهد به وبما معه من الرسالة الواردة من ذلك الجناب العزيز فيحدث له من السرور ما تقصر عنه العبارة، ولهذا كان أجود ما يكون في رمضان لكثرة نزول [٩ ظ] جبريل عليه السلام عليه فيه على ما سنذكره.
وقيل: معنى ﴿لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَك﴾ (٢)، أي لتحفظه فيكون فؤادك ثابتا به غير مضطرب، وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أميًّا لا يكتب ولا يقرأ، ففرق عليه القرآن ليتيسر عليه حفظه، ولو نزل جملة لتعذر عليه حفظه في وقت واحد على ما أجرى الله تعالى به عوائد خلقه، والتوراة نزلت على موسى عليه السلام مكتوبة وكان كاتبا قارئا، وكذا كان غيره، والله أعلم.
فإن قلت: كان في القدرة إذا أنزله جملة أن يسهل عليه حفظه دفعة واحدة.
قلت: ما كل ممكن في القدرة بلازم وقوعه، فقد كان في قدرته تعالى أن يعلمه الكتابة والقراءة في لحظة واحدة، وأن يلهمهم الإيمان به، ولكنه لم يفعل، ولا معترض عليه في حكم. {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ
(٢) الفرقان: ٣٢.