وعن الشعبي قال: جمع القرآن على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سنة نفر من الأنصار: أبي بن كعب وزيد بن ثابت ومعاذ بن جبل وأبو الدرداء وسعد بن عبيد (١) وأبو زيد. ومجمع بن جارية (٢) قد أخذه إلا سورتين أو ثلاثا، قال: ولم يجمعه أحد من الخلفاء من أصحاب محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير عثمان رضي الله عنهم.
قلت: وقد أشبع القاضي أبو بكر محمد بن الطيب (٣) رحمه الله في "كتاب الانتصار" (٤) الكلام في حملة القرآن في حياة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأقام أدلة كثيرة على أنهم كانوا أضعاف هذه العدة المذكورة، وأن العادة تحيل خلاف ذلك، ويشهد لصحة ذلك كثرة القراء المقتولين يوم مسيلمة باليمامة على ما سيأتي ذكره، وذلك في أول خلافة أبي بكر رضي الله عنه، وما في الصحيح من قتل سبعين من الأنصار يوم بئر معونة (٥) كانوا يسمون القراء (٦). وقد قال عبد الله بن عمرو بن العاص: جمعت

(١) هو سعد بن عبيد بن نعمان بن قيس الأنصاري الأوسي، مات شهيدًا بالقادسية سنة ١٦هـ "الإصابة ٢/ ٣١".
(٢) هو مجمع بن جارية بن عامر بن مجمع الأنصاري الأوسي، توفي بالمدينة في خلافة معاوية بن أبي سفيان "غاية النهاية ٢/ ٤٢، الإصابة ٣/ ٣٦٦، تهذيب التهذيب ١٠/ ٤٧".
(٣) هو محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر، أبو بكر الباقلاني، من كبار علماء الكلام، كان موصوفا بجودة الاستنباط وسرعة الجواب، له مؤلفات كثيرة في علم الكلام وغيره، توفي سنة ٤٠٣هـ "تاريخ بغداد ٥/ ٣٧٩، وفيات الأعيان ١/ ٦٠٩".
(٤) انظر: كتاب الانتصار ١/ ٤٣ و، ٥٦و.
(٥) بئر معونة: بفتح الميم وضم العين المهملة وسكون الواو وبالنون، هو موضع في بلاد هذيل بين مكة وعسفان، وكانت غزوة بئر معونة في سنة ٤هـ "انظر: عمدة القاري ٨/ ٢٣٠".
(٦) انظر: البخاري ٥/ ٤١.


الصفحة التالية
Icon