فيعلم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن السورة قد ختمت، لم يبق يلحق بها شيء.
واعلم أن حاصل ما شهدت به الأخبار المتقدمة وما صرحت به أقوال الأئمة أن تأليف القرآن على ما هو عليه الآن كان في زمن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإذنه وأمره، وأن جمعه في الصحف خشية دثوره بقتل قرائه كان في زمن أبي بكر رضي الله عنه، وأن نسخه في مصاحف حملا للناس على اللفظ المكتوب حين نزوله بإملاء المنزل إليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومنعا من قراءة كل لفظ يخالفه كان في زمن عثمان رضي الله عنه، وكأن أبا بكر كان غرضه أن يجمع القرآن مكتوبا مجتمعا غير مفرق على اللفظ الذي أملاه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على كتبة الوحي ليعلم ذلك، ولم يكل ذلك إلى حفظ من حفظه خشية فنائهم بالقتل، ولاختلاف لغاتهم في حفظهم على ما كان أبيح لم من قراءته على سبعة أحرف على ما ستأتي معانيها في الباب الثالث، فلما ولي عثمان وكثر المسلمون وانتشروا في البلاد وخيف عليهم الفساد من اختلافهم في قراءاتهم لاختلاف لغاتهم حملهم عثمان على ذلك اللفظ الذي جمعه زيد في زمن أبي بكر، وبقي ما عداه ليجمع الناس [٢٥ ظ] على قراءة القرآن على وفق ما نزل على محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا يكثر فيه التصرف، فيتفاحش تغيره، وتنمحق ألفاظه المنزلة. ولهذا قال أبو مجلز لاحق بن حميد (١) رحمه الله -وهو من جلة تابعي البصرة-: يرحم الله عثمان، لو لم يجمع الناس على قراءة واحدة لقرأ الناس القرآن بالشعر.

(١) هو لاحق بن حميد بن سعيد السدوسي، أبو مجلز البصري، أحد علماء البصرة في عصره، لحق الكبار الصحابة كأبي موسى وابن عباس، توفي سنة ١٠٦هـ على خلاف. "الطبقات الكبرى ٧/ ٢١٦، ٣٦٨، غاية النهاية ٢/ ٣٦٢، تهذيب التهذيب ١١/ ١٧١، شذرات الذهب ١/ ١٣٤".


الصفحة التالية
Icon