ذلك قد وردت الآثار. وقيل: كتبه أولا في صحف ومدارج نسخت ونقلت إلى مصاحف جعلت بين لوحين، وقيل: معنى قول علي: "أبو بكر أول من جمع القرآن [٢٧ ظ] بين اللوحين" (١) : أي جمع القرآن الذي هو الآن بين اللوحين، وكان هذا أقرب إلى الصواب جمعا بين الروايات. وكأن أبا بكر رضي الله عنه كان جمع كل سورة أو سورتين أو أكثر من ذلك في صحيفة على قدر طول السورة وقصرها. فمن ثم قيل: إنه جمع القرآن في مصحف، ونحو ذلك من العبارات المشعرة بالتعدد، ثم إن عثمان رضي الله عنه نسخ من تلك الصحف مصحفا جامعا لها، مرتبة سورة سورة على هذا الترتيب، ويدل على ذلك ظاهر حديث يزيد الفارسي (٢) عن ابن عباس قال: قلت لعثمان: ما حملكم على أن عمدتم إلى "براءة" و"الأنفال" فقرنتم بينهما؟ الحديث (٣)، فإنه يدل على أن لعثمان في جمعه القرآن بعد أبي بكر تصرفا ما، وهو هذا، فأبو بكر جمع آيات كل سورة كتابة لها من الأوراق المكتوبة بين النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعثمان جمع السور على هذا التريب في مصحف واحدًا ناسخا لها من صحف أبي بكر.
وأما ما روي أن عثمان جمع القرآن أيضا من الرقاع (٤) كما فعل أبو بكر فرواية لم تثبت، ولم يكن له إلى ذلك حاجة، وقد كفيه بغيره، فالاعتماد على ما قدمناه أول الباب من حديث صحيح البخاري (٥)، وإنما ذكرنا ما بعده

(١) سبقت هذه الرواية في ص٥٤.
(٢) هو يزيد الفارسي البصري، وترجمته في: تهذيب التهذيب ١١/ ٣٧٤.
(٣) انظر: السنن الكبرى ٢/ ٤٢، وسنن أبي داود ١/ ٢٩٠.
(٤) انظر الحاشية رقم ١ ص٥٩.
(٥) انظر ص٤٩، ٥٠.


الصفحة التالية
Icon