بالعهد، وإتباع شرع الله وهذه الأشياء مأمور بها وليس منهياً عنها فبم يوجه هذا؟.
والقول في جواب هذا أن أهل العلم لم يغفلوا عن هذا الإشكال من حيث الظاهر وأجابوا بأجوبة عديدة منها:
١- قوله تعالى: ﴿حَرَّمَ رَبُّكُمْ﴾ معناه وصاكم به ربكم فضمن حرَّم معنى وصّى، ويؤيد هذا الفهم ما جاء في آخر الآية قال تعالى: ﴿ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِه﴾ فالتحريم هنا مضمن معنى الوصية، وإذا نظرت في المعنى تجد أن الوصية فيه أعم من التحِريم. فكل تحريم وصية من الله عز وجل إلى عباده، وليس كل وصية تحريما، لأنها تكون بتحريم وبتحليل، وبوجوب وندب، وليس أمراً غريباً أن يراد بالتحريم الوصية، ومن الأساليب عند العرب ذكر اللفظ الخاص وإدارة العموم، أو العكس فتذكر اللفظ العام وتريد به الخاص وبناء على ما تقرر فإن تقدير الكلام: قل تعالوا أتل ما وصاكم به ربكم، ثم حصل إبدال قوله تعالى: ﴿أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً﴾ منه. وذلك على وجه البيان والتفسير. أي وصاكم أن لا تشركوا به شيئاً ووصاكم بالإحسان إلى الوالدين… الخ. فجمعت الوصية ترك المحرمات وفعل المأمورات. وهذا التوجيه في نظري حسن جداً١.
٢- أن تكون (أن) في قوله تعالى: ﴿أَلاَّ تُشْرِكُوا﴾ تفسيرية لفعل النهي الدال عليه التحريم وفعل الأمر المحذوف، والتقدير: أتل ما حرم عليكم وما أمركم به، فحذف وما أمركم به لدلالة (ما حرم) عليه لأن معنى ما حرم ربكم، ما ينهاكم ربكم عنه، فالمعنى قل تعالوا أتل ما نهاكم ربكم عنه وما أمركم به، ولا مانع من عطف الأمر على النهي والعكس ومن شواهده قول إمرئ القيس: يقولون لا تهلك أساً وتجمل٢
٣- جاز ذلك لجواز عطف الأوامر على النواهي لكونها تفسيراً لها باعتبار لوازمها التي هي النواهي المتعلقة بأضداد ما تعلقت به، فإن الأمر بالشيء مستلزم للنهي عن ضده، بل هو عينه عند البعض، كأن الأوامر ذكرت وقصد لوازمها، فإن عطف الأوامر على النواهي الواقعة بعد (إن) المفسرة لتلاوة المحرمات، مع القطع بأن المأمور به لا يكون محرما دليل وأضح على أن التحريم راجع إلى الأضداد، على الوجه المذكور٣
٢ البحر ٤/٢٤٩
٣ الإرشاد ٣/١٩٨