انتهى كلامه رحمه الله١. وهو كلام جيد يزول به ما قد يعكر فهم البعض.. وأقول: من العلماء الذين أشار إليهم رحمه الله، الواحدي فإنه أخرج بسنده٢من طريق أبي يعلى- أنه قال- حدثنا إبراهيم بن الحجاج٣، حدثنا عبد الله بن المبارك٤، عن مصعب بن ثابت٥، عن عامر بن عبد الله بن الزبير٦، عن أبيه٧ قال: قدمت قتيلة بنت عبد العزى على ابنتها أسماء بنت أبي بكر٨ بهدايا، ضباب، وسمن، وأقط، فلم تقبل هداياها، ولم تدخلها منزلها، فسألت لها عائشة النبي ﷺ عن ذلك فقال: ﴿لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ﴾ الآية. فأدخلتها منزلها، وقبلت هداياها٩. وإذا كانت لكتاب الله عز وجل عناية بالوالدين فإن السنة المحمدية لم تغفل أمرهما، فقد كان نبي الرحمة ﷺ يؤكد على طاعة الوالدين وبرهما، تارة بالترغيب وأخرى بالترهيب، فمن الأول ما رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "سألت النبي صلى الله عليه وسلم، أي الأعمال أحب إلى الله عز وجل؟ قال: الصلاة على وقتها، قال: ثم أي؟ قال: بر الوالدين قال: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله. قال: حدثني بهن ولو استزدته لزادني" ١٠. ويلاحظ أن رسول الله ﷺ قدّم بر الوالدين على الجهاد في سبيل الله الذي هو من أكبر الحقوق العامة على الإنسان لأن حق الوالدين حق خاص ولذلك قال ﷺ لرجل قال له: "أجاهد؟ قال: لك أبَوان؟ قال: نعم. قال: ففيهما فجاهد" ١١.
ومن الثاني قوله صلى الله عليه وسلم: "إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه، قيل: يا رسول الله، وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: يسب الرجل أبا الرجل، فيسب أباه ويسب أمه" ١٢. وما ذكر في الحديث فرد من أفراد العقوق، وإن كان التسبب في لعن الوالدين من

١ مجلة الجامعة الإسلامية العدد الثاني السنة الرابعة شوال ١٣٩١ هـ ص ١١-١٢ وله توجيه في كتابه دفع إيهام الاضطراب ص ٢٩٢. وانظر كلام الحافظ (الفتح ٥/٢٣٣).
٢ أسباب النزول ص ٤٥٠
٣ أبو إسحاق البصري ثقة، يهم قليلاً، مات سنة إحدى وثلاثين ومائتين أو بعدها.
٤ المروزي، ثقة ثبت فقيه، جمعت فيه خصال الخير، مات سنة إحدى وثمانين ومائة.
٥ ابن أخي عامر شيخه، لين الحديث، وكان عابدا، مات سنة سبع وخمسين ومائة.
٦ أبو الحارث المدني، ثقة عابد، مات سنة إحدى وعشرين ومائة.
٧ عبد الله بن الزبير بن العوام، أول مولود في الإسلام بالمدينة، ولي الخلافة تسع سنين وقتل في ذي الحجة رضي الله عنه.
٨ زوج الزبير بن العوام، وهي ذات النطاقين، من كبار الصحابة، عاشت مائة سنة.
٩ مسند أبي يعلي. أخرجه الواحدي بسنده من طريق أبي يعلى (الواحدي ص ٤٨٨) ولم أجده في مسند أبي يعلي. وذكره صاحب مجمع الزوائد ٧/١٢٦ ولم يعزه. وعزاه السيوطي في الدار المنثور الأبي يعلى.
١٠ صحيح البخاريَ مع الفتح ١٠/ ٤٠٠.
١١ أخرجه االإمام البخاري بسنده من حديث عبد الله بن عمرو (الصحيح مع الفتح١٠/٤٠٣).
١٢ أخرجه الِإَمام البخاري بسنده من حديث عبد الله بن عمرو أيضا (المصدر نفسه).


الصفحة التالية
Icon