بكثرة ورود النهي عن هذه المنكرات الثلاث متتابعاً، النهي عن الشرك، والنهي عن الزنا، والنهي عن قتل النفس ولعل في هذا توجيهاً للأنظار إلى أن هذه الأمور الثلاثة تشترك في صفة القتل، فإذا نظرنا إلى جريمة الشرك نجد أنها قتل للقلوب وإماتة للفطرة التي فطر الله الناس عليها. فالقلوب التي لا تعيش على التوحيد قلوب ميتة، قد قضي على ما فيها من فطرة يؤيد هذا الفهم قوله تعالى: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا﴾ ١ الآية. فليس المراد موت الأجساد بخروج الأرواح منها، بل المراد موت القلوب بخلوها من نور الحق، وبرهان الشرع، والشرع لا يقوم إلا على اعتقاد سليم وبرهان قويم. وجريمة الزنا قتل للجماعة حساً ومعنىً، فالجماعة التي تشيع فيها الفاحش جماعة ميتة معنوياً من حيث عدم وجود الغيرة التي من أعظم الأسباب في حماية المجتمع من هذا الوباء القاتل ولذلك وصف بها النبي ربه عز وجل فقال: "ما من أحد أغير من الله عز وجل" ٢ فإذا قتلت الغيرة في الجماعة استشرى الخطر، وعم البلاء، أما قتلها حساً فإن مصيرها إلى الفناء والدمار لا محالة لاندفاعها خلف هذه الشهوة المحرمة حتى بلغت مستوى الدواب بل هم أضل سبيلا. وقد جاء في بلاغات الإمام مالك عن ابن عباس أنه قال: "… ولا فشا الزنا في قوم قط إلا كثر فيهم المَوت... "٣ قال ابن عبد البر: "قد رويناه متصلاً عنه، ومثله لا يقال بالرأي"٤. ويؤيد قوله هذا أن ابن ماجة قال: حدثنا محمود بن خالد الدمشقي٥، حدثنا سليمان بن عبد الرحمن أبو أيوب٦، عن ابن أبي مالك٧ عن أبيه٨ عن عطاء بن أبي رباح٩، عن عبد الله بن عمر قال: أقبل علينا رسول الله ﷺ فقال: "يا معشر المهاجرين، خمس إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن، لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع، التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا... " ١٠ الحديث. وله شاهد من حديث ميمونة أخرجه الإمام أحمد رحمه الله١١. وفي نظري أن هذا الخبر لا يقل

١ الآية (١٢٢) من الأنعام.
٢ الصحيح مع الفتح ١٣/٣٨٣، وصحيح مسلم ٤/٢١١٣.
٣ الموطأ ٢/٤٦٠.
٤ قاله محمد فؤاد تعليقاً على المصدر السابق. ولا أراه إلا في التمهيد. ولم أقف عليه.
٥ ثقة، مات سنة سبع وأربعين ومائتين.
٦ صدوق يخطئ من رجال البخاري مات سنة ثلاث وثلاثين ومائتين.
٧ خالد بن يزيد بن عبد الرحمن ضعيف، مع كونه فقيهاً، قد اتهمه ابن معين، مات سنة خمس وثمانين.
٨ يزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك، صدوق ربما وهم، مات سنة ثلاثين ومائة أو بعدها.
٩ ثقة، كثير الإرسال، مات سنة أربع عشرة ومائة.
١٠ ابن ماجه ٢/ ١٣٣٢.
١١ المسند ٦/ ٣٣٣.


الصفحة التالية
Icon