من الحق ووحّد السمع لوحدة المسموع وهو الصوت. وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ مبتدأ وخبر أي على أعينهم غطاء من عند الله تعالى فلا ينصرون الحق. وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٧) أي شديد في الآخرة وهم رؤساء اليهود الذين وصفهم الله بأنهم يكتمون الحق وهم يعلمون، وهم كعب بن الأشرف وحيي بن أخطب وجدي بن أخطب، ويقال: هم مشركو أهل مكة عتبة وشيبة والوليد بن المغيرة وأبو جهل. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا في السر بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ أي بالبعث بعد الموت الذي فيه جزاء الأعمال. وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (٨) في السر يُخادِعُونَ اللَّهَ أي يكذبونه في السر وَالَّذِينَ آمَنُوا أبا بكر وسائر أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم. وَما يَخْدَعُونَ أي يكذبون إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وهذه الجملة حال من ضمير يخادعون أي يفعلون ذلك، والحال أنهم ما يضرون بذلك إلا أنفسهم فإن دائرة فعلهم مقصورة عليهم.
وقرأ عاصم وابن عامر، وحمزة والكسائي «وما يخدعون» بفتح الياء وسكون الخاء وفتح الدال، وقرأ الباقون بضم الياء وفتح الخاء مع المد وكسر الدال، ولا خلاف في قوله: «يخادعون الله» فالجميع قرءوا بضم الياء وفتح الخاء وبالألف بعدها وكسر الدال، وأما الرسم فبغير ألف في الموضعين وَما يَشْعُرُونَ (٩) أن الله يطلع نبيه على كذبهم. فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أي شك وظلمة فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً مرضا أي شكا وظلمة بما أنزله من القرآن لأنه كلما أنزل آية كفروا بها فازدادوا شكا وخلافا. وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ أي وجيع في الآخرة يخلص وجعه إلى قلوبهم بِما كانُوا يَكْذِبُونَ (١٠).
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بالتشديد، أي بتكذيبهم النبي صلّى الله عليه وسلّم، وقرأ الباقون بتخفيف الذال أي بكذبهم في قولهم: آمنا في السر وهم المنافقون عبد الله بن أبي وجد بن قيس ومعتب ابن قشير.
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أي لهؤلاء المنافقين: لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بتعويق الناس عن دين محمد صلّى الله عليه وسلّم قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ (١١) وإنما قالوا ذلك لأنهم تصوّروا الفساد بصورة الصلاح لما في قلوبهم من المرض قال الله تعالى ردا عليهم أبلغ رد أَلا أي بلى إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ لها بالتعويق وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ (١٢) أن الله تعالى يطلع نبيه على فسادهم. وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بمحمد صلّى الله عليه وسلّم والقرآن أي إن المؤمنين نصحوا المنافقون من وجهين:
أحدهما: النهي عن الإفساد وهو التخلي عن الرذائل.
وثانيهما: الأمر بالإيمان وهو التحلي بالفضائل كَما آمَنَ النَّاسُ أي الكاملون في الإنسانية، العاملون بقضية العقل كأصحاب النبي أو كعبد الله بن سلام وغيره من مؤمني أهل الكتاب. والمعنى آمنوا إيمانا مقرونا بالإخلاص متمحضا عن شوائب النفاق مماثلا لإيمانهم قالُوا فيما بينهم لا بحضرة المسلمين أَنُؤْمِنُ بمحمد صلّى الله عليه وسلّم كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أي الجهال


الصفحة التالية
Icon