وروي أنها نزلت في شأن قريش لقولهم لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: كسرى ينام على فرش الديباج فإن كنت نبيا فأين ملكك؟ تُؤْتِي الْمُلْكَ أي تعطي الملك في الدنيا مَنْ تَشاءُ من خلقك وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ منهم إما بالموت أو إزالة العقل، أو إزالة القوى والحواس، أو بورود التلف على الأموال أو بسلب الملك وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ بالإيمان والحق وبالأموال الكثيرة من الناطق والصامت، وبإلقاء الهيبة في قلوب الخلق. وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بالكفر والباطل بِيَدِكَ الْخَيْرُ أي بقدرتك العز والذل والغنيمة والنصرة إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من ذلك قَدِيرٌ (٢٦) تُولِجُ اللَّيْلَ أي تدخل بعض الليل فِي النَّهارِ فيكون النهار أطول من الليل وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ أي تدخل بعض النهار في الليل فيكون الليل أطول من النهار وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ أي تخرج النسمة من النطفة، والدجاجة من البيضة، والسنبلة من الحبة، والطيّب من الخبيث كالتوبة من الذنب، والمؤمن من الكافر كسيدنا عكرمة من أبي جهل. فالمسلم حي الفؤاد والكافر ميت الفؤاد وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ أي تخرج النطفة من الإنسان، والبيضة من الطير، والحب اليابس من النبات الحي، والخبيث من الطيب كالعجب من العبادة، والكافر من المؤمن ككنعان من سيدنا نوح عليه السلام وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٢٧) أي بلا تكلف ولا ضيق.
قال أبو العباس المقري: ورد لفظ الحساب في القرآن على ثلاثة أوجه: بمعنى التعب: قال تعالى: وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ. وبمعنى العدد: قال تعالى: إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ [الزمر: ١٠]. وبمعنى المطالبة: قال تعالى: فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ [ص: ٣٩] لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أي لا يوال المؤمنون الكافرين لا استقلالا ولا اشتراكا مع المؤمنين وإنما الجائز لهم قصر الموالاة والمحبة على المؤمنين بأن يوالي بعضهم بعضا فقط. واعلم أن كون المؤمن
مواليا للكافر يحتمل ثلاثة أوجه:
أحدهما: أن يكون راضيا بكفره ويتولاه لأجله. وهذا ممنوع لأن الرضا بالكفر كفر.
وثانيها: المعاشرة الجميلة في الدنيا بحسب الظاهر. وذلك غير ممنوع.
وثالثها: الركون إلى الكفار والمعونة والنصرة إما بسبب القرابة أو بسبب المحبة مع اعتقاد أن دينه باطل فهذا لا يوجب الكفر إلا أنه منهي عنه، لأن الموالاة بهذا المعنى قد تجره إلى استحسان طريقته والرضا بدينه وذلك يخرجه عن الإسلام فهذا هو الذي هدد الله فيه بقوله: وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ أي الموالاة مع الكافرين بالاستقلال أو بالاشتراك مع المؤمنين فَلَيْسَ أي الموالي مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ أي ليس من ولاية الله في شيء يطلق عليه اسم الولاية إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً أي لا تتخذوا الكافرين أولياء ظاهرا، أو باطنا في حال من الأحوال إلا حال اتقائكم


الصفحة التالية
Icon