نصبوا أصنامهم، وعلقوا عليها بيض النعام، وجعلوا في آذانها الشنوف وهم يسجدون لها فقال:
«يا معشر قريش والله لقد خالفتم ملة أبيكم إبراهيم وإسماعيل». فقالت قريش: إنما نعبدها حبا لله ليقربونا إلى الله زلفى، فنزلت هذه الآية.
وقيل: إن نصارى نجران قالوا: إنما نعظم المسيح حبا لله، فنزلت هذه الآية. ولما نزلت قال عبد الله بن أبيّ لأصحابه: إن محمدا يجعل طاعته كطاعة الله ويأمرنا أن نحبه كما أحبت النصارى المسيح. وقالت اليهود: يريد محمد أن نتخذه ربا حنّانا كما اتخذت النصارى عيسى حنّانا فأنزل الله بسبب قولهم قوله تعالى: قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ أي في جميع الأوامر والنواهي. أي إنما أوجب الله عليكم متابعتي لا كما تقول النصارى في عيسى بل لكوني رسولا من عند الله فَإِنْ تَوَلَّوْا أي أعرضوا عن طاعتهما فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ (٣٢) أي اليهود والمنافقين الذين ألقوا شبهة في الدين. فلما نزلت هذه الآية قالت اليهود: نحن على دين آدم مسلمين فأنزل الله قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ إسماعيل وإسحاق، والأنبياء من أولادهما الذين من جملتهم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم. وَآلَ عِمْرانَ موسى وهارون. وقيل: عيسى وأمه. حكاه الكرماني ورجحه ابن عساكر والسهيلي.
عَلَى الْعالَمِينَ (٣٣) أي على أهل رمان كل واحد منهم بالإسلام وبالخصال الحميدة ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ أي اصطفى الآلين حال كونهم ذرية متسلسلة متشعبة البعض من البعض في النسب.
وَاللَّهُ سَمِيعٌ لأقوال العباد عَلِيمٌ (٣٤) بضمائرهم وأفعالهم وإنما يصطفى من خلقه من يعلم استقامته قولا وفعلا. ويقال: والله سميع لمقالة اليهود نحن من ولد إبراهيم ومن آل عمران فنحن أبناء الله وأحباؤه وعلى دينه. ولمقالة النصارى المسيح ابن الله عليم بعقوبتهم. واذكر يا محمد إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ حنة بنت فاقوذا أم مريم حين شاخت وكانت يوما في ظل شجرة فرأت طائرا يطعم فرخا، فتحركت نفسها للولد، فدعت ربها أن يهب لها ولدا، فحملت بمريم ومات عمران، فلما عرفت بالحمل قالت يا رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ أن أجعل لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً أي عتيقا من أمر الدنيا لطاعة الله ومخلصا للعبادة وخادما لمن يدرس الكتاب ويعلم في مسجد بيت المقدس فَتَقَبَّلْ مِنِّي أي خذ مني ما نذرته على وجه الرضا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ لتضرعي ودعائي وندائي. الْعَلِيمُ (٣٥) بما في ضميري وقلبي ونيتي. فَلَمَّا وَضَعَتْها أي ولدت المنذورة التي في بطنها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أي ما في بطني أُنْثى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ.
قرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم «وضعت» بضم التاء على حكاية كلامها، وإنما قالت ذلك للاعتذار ولإزالة الشبهة التي في قولها: «إني وضعتها أنثى»، فإنها خافت أن يظن بذلك القول أنها تخبر الله تعالى. وقرأ الباقون بسكون التاء أي إنه تعالى قال: وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ تعظيما لولدها وتجهيلا لها بقدر ذلك الولد. والمعنى والله أعلم بأن الذي ولدته وإن كان أنثى أحسن وأفضل من الذكر، وهي غافلة عن ذلك، فلذلك تحسرت. وقرأ ابن عباس: «والله أعلم بما