روي أنه صلّى الله عليه وسلّم ذهب من منزل عائشة في المدينة فمشى على رجليه إلى أحد بعد صلاة الجمعة في نصف شوال، وأصبح بالشعب من أحد يوم السبت، وجعل يصف أصحابه للقتال، وكانوا ألفا وأقل، وكان الكفار ثلاثة آلاف. وجعل صلّى الله عليه وسلّم ظهره وظهر عسكره إلى أحد، وأمر عبد الله بن جبير على الرماة وقال: «ادفعوا عنا بالنبل حتى لا يأتونا من ورائنا» وقال لأصحابه: «اثبتوا في هذا المقام فإذا عاينوكم ولوكم الأدبار فلا تطلبوا المدبرين ولا تخرجوا من هذا المقام». فلما التقى الفريقان انهزم عبد الله بن أبي مع ثلاثمائة من المنافقين فبقي من عسكر المسلمين سبعمائة، ثم قوّاهم الله حتى هزموا المشركين، ثم طلبوا المدبرين وتركوا ذلك المقام واشتغلوا بطلب الغنائم، وخالفوا أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فنزع الله الرعب من قلوب المشركين، فكرّ عليهم المشركون وتفرّق المسلمون عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وشجّ وجه الرسول، وكسرت رباعيته، وشلّت يد طلحة ولم يبق معه صلّى الله عليه وسلّم إلا أبو بكر وعلي والعباس وطلحة وسعد، ووقعت الصيحة في العسكر أن محمدا قد قتل وكان رجل يكنى أبا سفيان- من الأنصار- نادى الأنصار وقال: هذا رسول الله فرجع إليه المهاجرون والأنصار وكان قد قتل منهم سبعون وكثر فيهم الجراح
. وكل ذلك يؤكد قوله تعالى:
وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً والظفر إنما حصل ببركة طاعتهم لله ولرسوله وإلا لم يقوموا مع عدوهم تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ أي تنزل المؤمنين بأحد أمكنة لقتال عدوهم وَاللَّهُ سَمِيعٌ لأقوالكم عَلِيمٌ (١٢١) بضمائركم ونياتكم فإن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم شاور أصحابه في ذلك الحرب، فمنهم من قال له: أقم بالمدينة وهو عبد الله بن أبيّ، وأكثر الأنصار. ومنهم من قال له: اخرج إليهم وكان لكل أحد غرض. إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ بنو حارثة من الأوس وبنو سلمة من الخزرج وهما جناحا العسكر أَنْ تَفْشَلا أي بأن تجبنا عن قتال العدو يوم أحد وترجعا.
روي أنه صلّى الله عليه وسلّم خرج مع تسعمائة وخمسين، ووعدهم النصر إن صبروا، فلما بلغوا عند جبل أحد انعزل ابن أبي المنافق مع ثلاثمائة من أصحابه المنافقين وقال: يا قوم لأي شيء نقتل أنفسنا وأولادنا؟ فتبعهم عمرو بن حزم الأنصاري وأبو جابر السلمي وقالا: أسألكم بالله في حفظ نبيكم وأنفسكم أي فإنكم لو رجعتم فاتتكم نصرة نبيكم، وفاتتكم وقاية أنفسكم من العذاب لتخلفكم عن نبيكم فقال عبد الله بن أبي: لو نعلم قتالا لاتبعناكم، فهمّ الطائفتان باتباع عبد الله بن أبي فعصمهم الله فثبتوا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كما قال تعالى: وَاللَّهُ وَلِيُّهُما أي عاصمهما عن اتباع تلك الخطوة وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٢٢) في جميع أمورهم فإنه حسبهم، ولما حكى الله عن الطائفتين أنهما همّتا بالجبن والضعف أيّد ذلك بقصة بدر، فإن المسلمين كانوا في غاية الفقر والضعف والكفار كانوا في غاية الشدة والقوة ولكن لما كان الله ناصرا لهم قهروا أعداءهم وفازوا