في قلوب كفار مكة المخافة منكم حتى انهزموا وذلك أن الكفار لما هزموا المسلمين في أحد أوقع الله الرعب في قلوبهم فتركوهم وفروا منهم من غير سبب. حتى روي أن أبا سفيان صعد الجبل وقال: أين ابن أبي كبشة؟ وأين ابن أبي قحافة؟ وأين ابن الخطاب؟ فأجابه عمر ودارت كلمات بينهما وما تجاسر أبو سفيان على النزول من الجبل والذهاب إليهم. بِما أَشْرَكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ أي بعبادته سُلْطاناً أي كتابا ولا رسولا وَمَأْواهُمُ النَّارُ أي مسكنهم في الآخرة النار وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (١٥١) أي وبئس مقر الكافرين النار وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ يوم أحد. نزلت هذه الآية لما رجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة وقد أصابهم ما أصابهم بأحد قال
ناس من أصحابه من أين أصابنا هذا وقد وعدنا الله النصر؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية: إِذْ تَحُسُّونَهُمْ أي تقتلونهم قتلا كثيرا في أول الحرب بِإِذْنِهِ أي بعلمه ونصرته حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ أي إلى أن ضعفتم في الرأي أو إلى حين الغنيمة وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ أي اختلفتم في أمر الحرب أو في امتثال أمر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وذلك لأنه صلّى الله عليه وسلّم أمر الرماة بأن لا يبرحوا عن مكانهم ألبتة، وجعل أميرهم عبد الله بن جبير، فلما ظهر المشركون أقبل الرماة عليهم بالرمي الكثير حتى انهزم المشركون، ثم إن الرماة رأوا نساء المشركين صعدن الجبل وكشفن عن سوقهن بحيث بدت خلا خيلهن فقالوا: الغنيمة الغنيمة، فقال عبد الله: عهد الرسول إلينا أن لا نبرح عن هذا المكان فأبوا عليه وذهبوا إلى طلب الغنيمة وبقي عبد الله مع طائفة قليلة دون العشرة إلى أن قتلهم المشركون. وَعَصَيْتُمْ أمر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالإقامة في أصل الجبل وتركتم المركز لأجل تحصيل الغنيمة مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ أي بعد ما أراكم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم النصرة والغنيمة مِنْكُمْ أي من الرماة مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا بجهاده، وهم الذين تركوا المركز لأجل الغنيمة وَمِنْكُمْ أي من الرماة مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ بجهاده وهم الذين ثبتوا مكانهم حتى قتلوا وهم عبد الله بن جبير وأصحابه ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ أي ثم رد المسلمين عن الكفار وألقى الهزيمة عليهم وسلط الكفار عليهم لِيَبْتَلِيَكُمْ أي ليجعل ذلك الصرف محنة عليكم لتتوبوا إلى الله وتستغفروه فيما خالفتم فيه أمره وملتم فيه إلى الغنيمة وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ لما علم من ندمكم على المخالفة وتفضلا منه تعالى وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (١٥٢) حيث لم يستأصل الرماة إِذْ تُصْعِدُونَ أي تذهبون في الأرض وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ أي ولا تلتفتون إلى أحد من شدة الهرب وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ أي وهو واقف في آخركم وكان يقول: «إلىّ عباد الله، إليّ عباد الله أنا رسول الله من يقرّ فله الجنة» «١» فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ أي جازاكم الله عما حصل لكم بسبب الانهزام، وقتل