بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ قال الله تعالى: إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ [الأعراف: ٢٢]، وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ أي منزل وَمَتاعٌ أي منفعة ومعاش إِلى حِينٍ (٣٦) أي إلى وقت الموت فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ أي حفظ آدم من ربه كلمات لكي تكون سببا له ولأولاده إلى التوبة.
وقرأ ابن كثير بنصب «آدم»، ورفع «كلمات» أي جاءته عن الله تعالى كلمات. قال سعيد بن جبير عن ابن عباس: «إنها لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، عملت سوءا،
وظلمت نفسي، فاغفر لي إنك أنت خير الغافرين، لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، عملت سوءا وظلمت نفسي فارحمني إنك أنت خير الراحمين، لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، عملت سوءا وظلمت نفسي فتب عليّ إنك أنت التواب الرحيم».
وقال مجاهد وقتادة هي: «ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين». فَتابَ عَلَيْهِ أي رجع عليه بالرحمة وقبول التوبة إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ أي الرجاع على عباده بالمغفرة. الرَّحِيمُ (٣٧) أي البالغ في الرحمة لمن مات على التوبة. قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها أي الجنة جَمِيعاً إما في زمان واحد أو في أزمنة متفرقة. وفائدة تكرير الأمر بالهبوط أن آدم وحواء لما آتيا بالزلة أمرا بالهبوط فتابا بعد الأمر به، ووقع في قلبهما أن الأمر به لما كان بسبب الزلة فبعد التوبة لا يبقى الأمر به، فأعاد الله الأمر به مرة ثانية ليعلما أن الأمر به باق بعد التوبة، لأن الأمر به كان تحقيقا للوعد المتقدم في قوله تعالى: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً [البقرة: ٣٠] وعلى هذا فالجمع لاثنين فقط آدم وحواء، ويحتمل كون الجمع لهما ولولديهما قابيل وإقليما بناء على القول بأنهما ولدا في الجنة، ولعل عدم ذكرهما كونهما تابعين لأبويهما. وكان قابيل قد غضبه أبواه لقتله هابيل فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ يا ذرية آدم مِنِّي هُدىً دلالة كدليل العقل والنقل، و «إن» للشرطية أدغمت في «ما» الزائدة للتأكيد فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ بأن تأمل الأدلة بحقها واستنتج المعارف منها فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ فيما يستقبلهم من العذاب وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٣٨) على ما فاتهم من الدنيا. ويقال: فلا خوف عليهم إذا ذبح الموت ولا هم يحزنون إذا أطبقت النار، وزوال الخوف يتضمن السلامة من جميع الآفات، وزوال الحزن يقتضي الوصول إلى كل اللذات والمرادات، وهذا يدل على أن المكلف الذي أطاع الله تعالى لا يلحقه خوف في القبر وعند البعث وعند حضور الموقف، وعند تطاير الكتب، وعند نصب الميزان وعند الصراط وَالَّذِينَ كَفَرُوا برسلنا المرسلة إليهم وَكَذَّبُوا بِآياتِنا المنزّلة عليهم سواء كانوا من الإنس أو من الجن أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ أي أهل النار وملازموها بحيث لا يفارقونها. هُمْ فِيها خالِدُونَ (٣٩) أي دائمون لا يخرجون منها ولا يموتون فيها يا بَنِي إِسْرائِيلَ أي يا أولاد يعقوب، وهذا خطاب مع جماعة اليهود الذين كانوا بالمدينة من أولاد يعقوب عليه السلام في أيام سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم. اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ أي على آبائكم من الإنجاء من فرعون وفلق البحر، وتظليل الغمام في التيه،