يسترد منها شيئا؟ فهذا لا يليق بمن له طبع سليم وذوق مستقيم! وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (٢١).
قال ابن عباس ومجاهد: وهو كلمة النكاح المعقودة على الصداق وتلك الكلمة كلمة تستحل بها فروج النساء قال صلّى الله عليه وسلّم: «اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله»
«١». وهذا الإسناد مجاز عقلي من الإسناد للسبب لأن الآخذ للعهد حقيقة هو الله لكن بولغ فيه حتى جعل كأنهن الآخذات له أي وقد أخذ الله عليكم العهد بسببهن وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ أي لا تنكحوا التي نكحها آباؤكم من النساء فإنه موجب للعقاب إلا ما قد مضى قبل نزول آية التحريم فإنه معفو عنه ويقال: ولا تنكحوا نكاح آبائكم فإن أنكحتهم كانت بغير ولي شهود وكانت موقتة، وعلى سبيل القهر. وهذا الوجه منقول عن محمد بن جرير الطبري في تفسير هذه الآية. وقيل: المعنى لا تزوجوا امرأة وطئها آباؤكم بالزنا إلا ما قد سلف من الأب في الجاهلية من الزنا بامرأة فإنه يجوز للابن تزوجها كما نقل هذا المعنى عن ابن زيد، وكما قال أبو حنيفة: يحرّم على الرجل أن يتزوج بمزنية أبيه لهذه الآية.
وقال الشافعي: لا يحرم إِنَّهُ أي نكاح نساء الآباء كانَ فاحِشَةً أي قبيحا لأن زوجة الأب تشبه الأم فكانت مباشرتها من أفحش الفواحش وَمَقْتاً أي ممقوتا عند ذوي المروءات من الجاهلية وغيرهم وكانت العرب تقول لولد الرجل من امرأة أبيه مقتى. وَساءَ سَبِيلًا (٢٢) أي بئس مسلكا. نزلت هذه الآية في حق محصن بن قيس الأنصاري. واعلم أن مراتب القبح ثلاثة: القبح في العقول، وفي الشرائع، وفي العادات. فقوله تعالى: إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً إشارة إلى القبح العقلي. وقوله تعالى: وَمَقْتاً إشارة إلى القبح الشرعي. وقوله:
وَساءَ سَبِيلًا إشارة إلى القبح العادي. ومتى اجتمعت فيه هذه الوجوه فقد بلغ الغاية في القبح حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ من النسب وَبَناتُكُمْ من النسب وَأَخَواتُكُمْ من النسب من أي وجه يكن وَعَمَّاتُكُمْ أي أخوات آبائكم وَخالاتُكُمْ أي أخوات أمهاتكم وَبَناتُ الْأَخِ من النسب من أي وجه يكن وَبَناتُ الْأُخْتِ من النسب من أي وجه يكن وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ في الحولين خمس رضعات متفرقات عند الشافعي وابن حنبل. وقال أبو حنيفة ومالك: يحصل التحريم بمصة واحدة وفاقا للأوزاعي ولسفيان الثوري،