جعل الناس على طبقات فرفع بعضهم على بعض درجات. أي فإنه تعالى هو العالم بما يكون صلاحا للسائلين فليقصر السائل على المجمل وليحترز في دعائه عن التعيين. فربما كان ذلك محض المفسدة والضرر وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ أي ولكل تركة جعلنا ورثة متفاوتة في الدرجة يلونها ويحرزون منها أنصباءهم بحسب استحقاقهم ومما ترك بيان لكل وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ أي ومما ترك الزوج والزوجة فالنكاح يسمى عقدا.
وهذا قول أبي مسلم الأصفهاني ويصح أن تكون جملة «جعلنا موالي» صفة «لكل»، والضمير الراجع إليه محذوف، والكلام مبتدأ أو خبر. والمعنى حينئذ ولكل قوم جعلناهم وراثا نصيب معين مغاير لنصيب قوم آخرين مما ترك المورثون فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ من الميراث. قيل: إن هذه الآية نزلت في شأن أبي بكر الصديق لأنه حلف أن لا ينفق على ابنه عبد الرحمن ولا يورثه شيئا من ماله فلما أسلم عبد الرحمن أمر الله أبا بكر أن يؤتيه نصيبه. وقيل: المراد من قوله تعالى: وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ الحلفاء. وبقوله: فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ النصرة والنصيحة والمصافاة في العشرة، وحينئذ فقوله: وَالَّذِينَ مبتدأ متضمن لمعنى الشرط ولذلك صدر الخبر بالفاء أو منصوب بمضمر يفسره قوله: فَآتُوهُمْ وعلى هذه الوجوه فهذه الآية غير منسوخة بخلاف ما لو حمل قوله: الَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ على الحلفاء في الجاهلية.
وقوله: فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ على الميراث- وهو السدس- فهذه الآية حينئذ منسوخة بقوله تعالى: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ [الأنفال: ٧٥] وبقوله تعالى:
يُوصِيكُمُ اللَّهُ. وكذا لو حمل قوله: الَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ على الأبناء الأدعياء أو على من واخاه النبي صلّى الله عليه وسلّم لرجل آخر فإنه وأخي بين كل رجلين من أصحابه صلّى الله عليه وسلّم إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من أعمالكم شَهِيداً (٣٣) أي مطلعا الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ أي الرجال مسلطون على أدب النساء بسبب تفضيل الله تعالى إياهم عليهن بكمال العقل وحسن التدبير ورزانة الرأي، ومزيد القوة في الأعمال والطاعات. ولذلك خصوا بالنبوة والإمامة والولاية، وإقامة الشعائر والشهادة في جميع القضايا، ووجوب الجهاد والجمعة وغير ذلك وبسبب إنفاقهم من أموالهم للمهر والنفقة فَالصَّالِحاتُ أي المحسنات إلى أزواجهن قانِتاتٌ أي مطيعات لأزواجهن حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ أي لما يجب عليهن حفظه في حال غيبة أزواجهن من الفروج والأموال بِما حَفِظَ اللَّهُ أي بالذي حفظه الله لهن أي فإن حفظ حقوق الزوج في مقابلة ما حفظ الله حقوقهن على أزواجهن حيث أمرهم بالعدل عليهن وإمساكهن بالمعروف وإعطائهن أجورهن.
أو المعنى بحفظ الله إياهن بالأمر بحفظ الغيب والتوفيق له.
وقرئ بما حفظ الله بالنصب على حذف المضاف أي بسبب حفظهن حدود الله وأوامره