فذكر ذلك آدم فرضي هابيل وسخط قابيل وقال: هي أختي وأنا أحق بها ونحن من أولاد الجنة وهما من أولاد الأرض، فقال له آدم: إنها لا تحل لك فأبى أن يقبل ذلك وقال: إن الله لم يأمرك بهذا وإنما هو من رأيك. فقال لهما آدم: قربا لله قربانا فأيكما تقبل قربانه فهو أحق بإقليما، وكانت القرابين إذا كانت مقبولة نزلت من السماء نار بيضاء فأكلتها، وإن لم تكن مقبولة لم تنزل النار وأكلته الطير والسباع فخرجا من عند آدم ليقربا القربان، وكان قابيل قرب صبرة من قمح رديء وهابيل قرب كبشا أحسن وقصد بذلك رضا الله تعالى، فوضعا قربانهما على جبل، ثم دعا آدم فنزلت نار من السماء فأكلت قربان هابيل. وقيل: رفع إلى الجنة فلم يزل يرعى فيها إلى أن فدي به إسماعيل عليه السلام إِذْ قَرَّبا أي كل منهما قُرْباناً وهو اسم لما يتقرب به إلى الله تعالى من ذبيحة أو صدقة فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وهو هابيل وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ وهو قابيل فأضمر لأخيه الحسد إلى أن أتى آدم مكة لزيارة البيت وغاب فأتى قابيل لهابيل وهو في غنمه قالَ لهابيل:
لَأَقْتُلَنَّكَ فقال هابيل: ولم تقتلني؟ قال قابيل: لأن الله تقبّل قربانك وردّ قرباني وتريد أن تنكح أختي الحسناء وأنكح أختك الدميمة فيتحدث الناس بأنك خير مني ويفتخر ولدك على ولدي ف قالَ هابيل: وما ذنبي؟ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (٢٧) أي إن حصول التقوى شرط في قبول القربان لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ أي والله لئن باشرت قتلي حسب ما أوعدتني به وتحقق ذلك منك ما أنا بفاعل مثله لك في وقت من الأوقات إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (٢٨) في قتلك كما
قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لمحمد بن مسلمة: «ألق كمك على وجهك وكن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل»
«١». إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ أي أن تحمل إثم قتلي وإثمك الذي كان منك قبل قتلي. كما قاله ابن عباس وابن مسعود والحسن وقتادة رضي الله عنهم فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ أي فتصير من أهل النار وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ (٢٩).
وروي أن الظالم إذا لم يجد يوم القيامة ما يرضي خصمه أخذ من سيئات المظلوم وحمل على الظالم فَطَوَّعَتْ لَهُ أي سهلت له نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ. قال ابن جريج: لما قصد قابيل قتل هابيل لم يدر كيف يقتله فتمثل له إبليس وقد أخذ طيرا فوضع رأسه على حجر ثم رضخه بحجر آخر وقابيل ينظر إليه فعلم منه القتل فوضع قابيل رأس هابيل بين حجرين وهو مستسلم صابر.
روي عن عمرو بن خير الشعياني قال: كنت مع كعب الأحبار على جبل دير متران فأراني لمعة حمراء سائلة في الجبل فقال: هاهنا قتل ابن آدم أخاه وهذا أثر دمه جعله الله آية للعالمين

(١) رواه أحمد في (م ٥/ ص ١١٠).


الصفحة التالية
Icon