رجل فيكم؟» فقالوا: هو أعلم يهودي على وجه الأرض بما في التوراة. فقال: «فأرسلوا إليه» فأتاهم، فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أنت ابن صوريا؟» قال: نعم. قال: «وأنت أعلم اليهود؟». قال:
كذلك يزعمون، فقال لهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أترضون به حكما؟» قالوا: نعم. فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«أنشدك الله الذي لا إله إلا هو، الذي فلق البحر لموسى، ورفع فوقكم الطور وأنجاكم، وأغرق آل فرعون والذي أنزل عليكم كتابه وحلاله وحرامه هل تجدون فيه الرجم على من
أحصن؟»
. قال ابن صوريا: نعم. فوثب عليه سفلة اليهود، فقال: خفت إن كذبت أن ينزل علينا العذاب ثم سأل رسول الله عن أشياء كان يعرفها من علاماته فأجابه عنها، فقال ابن صوريا: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله النبيّ الأمي العربي الذي بشّر به المرسلون، ثم أمر رسول الله بالزانيين فرجما عند باب مسجده
وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ أي ضلالته كفره فَلَنْ تَمْلِكَ أي تستطيع لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً على دفعها أُولئِكَ أي اليهود والمنافقون الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ أي من رجس الكفر وخبث الضلالة لانهماكهم فيهما لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ أي ذل بالفضيحة للمنافقين بظهور نفاقهم بين المسلمين وخوفهم من قتل المسلمين إياهم والجزية والافتضاح لليهود بظهور كذبهم في كتمان التوراة وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (٤١) وهو الخلود في النار سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ الذين كانوا ينسبونه إلى التوراة أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ أي الحرام الذي يصل إليهم من الرشوة في الحكم ومهر البغي وعسيب الفحل، وكسب الحجام، وثمن الكلب، وثمن الخمر، وثمن الميتة وحلوان الكاهن، والاستئجار في المعصية.
روي ذلك عن عمر وعثمان وعلي وابن عباس وأبي هريرة ومجاهد فَإِنْ جاؤُكَ متحاكمين إليك فيما شجر بينهم من الخصومات فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ ومذهب الشافعي أنه يجب على حاكم المسلمين أن يحكم بين أهل الذمة إذا تحاكموا إليه لأن في إمضاء حكم الإسلام عليهم ذلالهم. فأما المعاهدون الذين لهم مع المسلمين عهد إلى مدة فليس بواجب على الحاكم أن يحكم بينهم بل يخيّر في ذلك. وهذا التخيير الذي في هذه الآية مخصوص بالمعاهدين ولو ترافع إلينا ذميان في شرب خمر لم نحدهما، وإن رضيا بحكمنا لأنهما لا يعتقدان تحريمهما ولو ترافع إلينا مسلم وذمي وجب الحكم بينهما إجماعا. وكذا الذمي مع المعاهدين وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً أي فإنهم كانوا لا يتحاكمون إليه صلّى الله عليه وسلّم إلا لطلب الأخف، فإذا أعرض عنهم وأبى الحكومة لهم شق عليهم إعراضه عنهم وصاروا أعداء له فلا تضره عداوتهم له فإن الله يعصمه من الناس وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ أي بالعدل الذي أمرت به إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٤٢) أي يثيب العادلين في الحكم وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ استفهام تعجيب من الله لنبيه من تحكيمهم إياه صلّى الله عليه وسلّم لمن لا يؤمنون به وبكتابه. والحال أن الحكم منصوص عليه في كتابهم الذين يدعون الإيمان به وتنبيه على أنهم ما


الصفحة التالية
Icon