الموعود عَلِيمٌ (٥٤) أي كامل العلم فيمتنع دخول الحق في أخباره ومواعيده إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ أي إنما ناصركم ومؤنسكم الله وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ (٥٥) أي منقادون لجميع أوامر الله ونواهيه.
قال ابن عباس: نزلت هذه الآية في عبادة بن الصامت حين تبرأ من موالاة اليهود، وقال:
أنا بريء إلى الله من حلف قريظة والنضير، وأتولى الله ورسوله والمؤمنين. وقال جابر بن عبد الله: نزلت في عبد الله بن سلام وذلك أنه جاء إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله إن قومنا قريظة والنضير قد هجرونا وأقسموا أن لا يجالسونا، ولا نستطيع مجالسة أصحابك لبعد المنازل. فنزلت هذه الآية فقرأها النّبيّ عليه فقال: رضينا بالله ورسوله وبالمؤمنين أولياء.
والمراد بالمؤمنين المذكورين عامة المؤمنين. والمراد بذكر هذه الصفات تمييز المؤمنين عن المنافقين. وقيل: المراد أبو بكر. وقيل: علي لما روي أن عبد الله بن سلام قال: لما نزلت هذه الآية قلت: يا رسول الله أنا رأيت عليا تصدق بخاتمه على محتاج وهو راكع فنحن نتولاه وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ (٥٦) أي ومن يتخذهم أولياء في النصرة فإنهم جند الله وجند الله هم الغالبون على أعدائهم بالحجة فإنها مستمرة أبدا، أما بالصولة والدولة فقد يغلبون يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً أي سخرية وَلَعِباً أي ضحكة مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ أي اليهود والنصارى وَالْكُفَّارَ أي المشركين كعبدة الأوثان أَوْلِياءَ في العون. والمعنى أن القوم لما اتخذوا دينكم هزوا وسخرية فلا تتخذوهم أحبابا وأنصارا فإن ذلك كالأمر الخارج عن العقل والمروءة.
روي أن رفاعة بن زيد وسويد بن الحرث أظهرا الإيمان ثم نافقا، وكان رجال من المسلمين يوادونهما فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية. وقرأ أبو عمرو والكسائي «والكفار» بالجر ويعضده قراءة أبي «ومن الكفار». وقراءة عبد الله «ومن الّذين أشركوا» فهم من جملة المستهزئين أيضا بخلاف قراءة الباقين بالنصب فلا يفيد أنهم منهم وإنما يستفاد ذلك من آية أخرى وَاتَّقُوا اللَّهَ في موالاتهم إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٥٧) أي حقا فإن قضية الإيمان توجب الاتقاء بلا شك وَأولئك الذين اتخذوا دين المسلمين هزوا ولعبا هم الذين إِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ بالآذان والإقامة اتَّخَذُوها أي الصلاة والمناداة هُزُواً وَلَعِباً أي لما اعتدوا أنه ليس فيها فائدة ومنفعة في الدين والدنيا قالوا: إنها لعب.
روى الطبراني أن نصرانيا بالمدينة كان إذا سمع المؤذن يقول: أشهد أن محمدا رسول الله قال: أحرق الله الكاذب، فدخل خادمه ذات ليلة بنار وأهله نيام فتطاير شرره في البيت فأحرقه وأهله. وقيل: كان المنافقون من اليهود يتضاحكون عند القيام إلى الصلاة تنفيرا للناس عنها.