مماثل للمقتول هو من النعم أو طعام مساكين، أو صيام أيام بعددهم فحينئذ تكون المماثلة وصفا لازما للجزاء يقدر به الهدي والطعام والصيام. أما الأولان فبلا واسطة، وأما الثالث فبواسطة الثالث فيختار الجاني كلا من هذه الثلاثة لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ أي جزاء ذنبه. والوبال في اللغة الثقل، وإنما سمى الله ذلك وبالا لأن أحد هذه الثلاثة ثقيل على الطبع لأن في الجزاء بالمثل والإطعام تنقيص المال، وفي الصوم إنهاك البدن. والمعنى أنه تعالى أوجب على قاتل الصيد أحد هذه الأشياء التي كل واحد منها ثقيل على الطبع حتى يحترز عن قتل الصيد في الحرم وفي حال الإحرام عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ أي لم يؤاخذ بقتل الصيد قبل هذا النهي والتحريم لأن قتله إذ ذاك مباح وَمَنْ عادَ إلى قتل الصيد بعد النهي عنه فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ أي فهو ينتقم الله منه في الآخرة مع لزوم الكفارة وَاللَّهُ عَزِيزٌ أي غالب لا يغالب ذُو انْتِقامٍ (٩٥) أي ذو عقوبة شديدة أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ أي أحل لكم أيها الناس صيد جميع المياه العذبة والملحة بحرا كان أو نهرا، أو غديرا أي اصطياد صيد الماء والانتفاع به بأكله ولأجل عظامه وأسنانه، وأحل لكم طعام البحر أي أكله. فالصيد كما قاله أبو بكر الصديق رضي الله عنه ما صيد بالحيلة حال حياته، والطعام ما يوجد مما لفظه البحر أو نضب عنه الماء من غير معالجة في أخذه.
قال الشافعي رحمه الله: السمكة الطافية في البحر محللة والسمك عنده ما لا يعيش في الماء ولو كان على صورة غير المأكول من حيوان البر كالآدمي والكلب والخنزير، فهذا كله حلال عنده بخلاف ما يعيش في الماء والبر كالسرطان والضفدع والتمساح، والسلحفاة وطير الماء.
وحجة الشافعي القرآن والخبر: أما القرآن: فهو قوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ فما يمكن أكله يكون طعاما فيحل. وأما الخبر:
فقوله صلّى الله عليه وسلّم في حق البحر: «هو الطهور ماؤه الحل ميتته»
«١» نزلت هذه الآية في قوم من بني مدلج كانوا أهل صيد البحر سألوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن طعام البحر وعمّا حسر البحر عنه ومعنى قوله: وَطَعامُهُ أي ما حسر عنه البحر وألقاه مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ أي أحل لكم ذلك لأجل انتفاعكم وللمسافرين منكم يتزودونه قديدا، فالطري للمقيم والمالح للمسافر وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً أي محرمين أو في الحرم فمذهب أبي حنيفة يحل للمحرم أكل ما صاده الحلال وإن صاده لأجله إذا لم يشر إليه ولم يدل عليه، وكذا ما ذبحه قبل إحرامه لأن الخطاب للمحرمين فكأنه قيل: وحرم عليكم ما صدتم في البر فيخرج منه مصيد غيرهم.
وعند مالك والشافعي وأحمد: لا يباح ما صيد له فإن لحم الصيد عندهم مباح للمحرم