بيعدلون وهو من العدول ويوضع الرب موضع الضمير العائد إليه تعالى. والمعنى أنه مختص باستحقاق الحمد والعبادة باعتبار ذاته وباعتبار شؤونه العظيمة الخاصة به ثم هؤلاء الكفرة يسوون به غيره في العبادة التي هي أقصى غايات الشكر الذي رأسه الحمد، وإما معطوف على قوله:
خَلَقَ السَّماواتِ والباء متعلقة بيعدلون وقدمت لأجل الفاصلة وهي إما بمعنى عن ويعدلون من العدول. والمعنى أن الله تعالى خلق ما لا يقدر عليه أحد سواه ثم الذين
كفروا يعدلون عن ربهم إلى غيره أو للتعدية ويعدلون من العدل وهو التسوية. والمعنى أنه تعالى خلق هذه الأشياء العظيمة التي لا يقدر عليها أحد سواه ثم إنهم يعدلون به جمادا لا يقدر على شيء أصلا فيكون المفعول محذوفا، وكلمة «ثم» لاستبعاد الشرك بعد وضوح آيات قدرته تعالى. هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ أي إن الله خلق جميع الإنسان من آدم وآدم كان مخلوقا من طين فلهذا السبب قال: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ أي من جميع أنواعه فلذلك اختلفت ألوان بني آدم وعجنت طينتهم بالماء العذب والملح والمر فلذلك اختلفت أخلاقهم وأيضا إن الإنسان مخلوق من المني، والمني إنما يتولّد من الأغذية وهي إما حيوانية أو نباتية، فحال الحيوانية كالحال في كيفية تولّد الإنسان فبقي أن تكون الأغذية نباتية فثبت أن الإنسان مخلوق من الأغذية النباتية، ولا شك أنها متولدة من الطين فثبت أن كل إنسان متولد من الطين.
وقال المهدوي: إن الإنسان مخلوق ابتداء من طين لخبر: «ما من مولود يولد إلا ويذر على النطفة من تراب حفرته وأيا ما كان الإنسان» «١» ففيه من وضوح الدلالة على كمال قدرته تعالى على البعث ما لا يخفى فإن من قدر على إحياء ما لم يشم رائحة الحياة قط كان على إحياء ما قارنها مدة أظهر قدرة ثُمَّ قَضى أَجَلًا أي خصص الله موت كل واحد بوقت معين وذلك التخصيص تعلق مشيئته تعالى بإيقاع ذلك الموت في ذلك الوقت وَأَجَلٌ مُسَمًّى أي حد معين لبعثكم جميعا من البرزخ عِنْدَهُ.
روي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن الله تعالى قضى لكل أحد أجلين، أجلا من مولده إلى موته، وأجلا من موته إلى مبعثه فإن كان برا تقيا وصولا للرحم زيد له من أجل البعث في أجل العمر، وإن كان فاجرا قاطعا للرحم نقص من أجل العمر وزيد في أجل البعث. وقال حكماء الإسلام: إن لكل إنسان أجلين.
أحدهما: الآجال الطبيعية.