بأنفسهم تأكيدا لنهيهم وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ أي وما يهلكون بما فعلوا من النهي والنأي إلا أنفسهم بإقبالها لأشد العذاب وَما يَشْعُرُونَ (٢٦) أنهم يهلكون أنفسهم ويذهبونها إلى النار بما يفعلون من الكفر والمعصية وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ أي ولو تبصر حالهم حين يوقفون على النار وهم يعاينونها لرأيت سوء حالهم. أو المعنى ولو تبصرهم حين يحسبون فوق النار على الصراط وهي تحتهم لرأيت سوء منقلبهم. أو المعنى ولو صرفت فكرك الصحيح لأن تتدبر حالهم حين يدخلونها لازددت يقينا.
وقرئ «إذ وقفوا» بالبناء للفاعل أي لو تراهم حين يكونون في جوف النار وتكون النار محيطة بهم ويكونون غائصين فيها لعرفوا مقدار عذابها، وإنما صح على هذا التقدير أن يقال:
وقفوا على النار لأنها دركات وطبقات بعضها فوق بعض فيصح هناك معنى الاستعلاء فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ إلى الدنيا لنؤمن وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا أي بآياته الناطقة بأحوال النار وأهوالها الآمرة باتقائها وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٧) بها كي لا نرى هذا الموقف.
قرأ ابن عامر وأبو بكر برفع «نكذب» ونصب «نكون» أي ولا يكون منا تكذيب مع كوننا من المؤمنين. وقرأ حمزة وحفص عن عاصم بنصبهما والتقدير يا ليتنا لنا رد وانتفاء تكذيب بآيات ربنا، وكون من المؤمنين فهذه الأشياء الثلاثة متمناة بقيد الاجتماع. وقرأ نافع وأبو عمرو وابن كثير والكسائي برفعهما واتفقوا على الرفع في قوله «نرد». والمعنى أنهم تمنوا الرد إلى دار الدنيا وعدم تكذيبهم بآيات ربهم وكونهم من المؤمنين. أو المعنى يا ليتنا نرد غير مكذبين وكائنين من المؤمنين فيكون تمني الرد مقيدا بهاتين الحالتين بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ أي ليس التمني الواقع منهم لأجل كونهم راغبين في الإيمان بل لأنه ظهر لهم في موقفهم ما كانوا يخفونه في الدنيا من تكذيبهم بالنار فإن التكذيب بالشيء إخفاء له بلا شك أي فلخوفهم منها ومن العقاب الذي عاينوه قالوا ما قالوا وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ أي ولو ردهم الله تعالى من موقفهم ذلك إلى الدنيا كما سألوا وغاب عنهم ما شاهدوه من الأهوال لم يحصل منهم فعل الإيمان وترك التكذيب بل كانوا يستمرون على الكفر والتكذيب وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (٢٨) في تمنيهم ووعدهم بفعل الإيمان وترك التكذيب فإن دينهم الكذب، لأنه قد جرى عليهم قضاء الله تعالى في الأزل بالشرك وَقالُوا أي كفار مكة إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا أي ما حياتنا إلا حياتنا الدنيا التي نحن فيها وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (٢٩) بعد أن فارقنا هذه الحياة وليس لنا بعد هذه الحياة ثواب وعقاب وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ أي حبسوا عند ربهم لأجل السؤال كما يوقف العبد الجاني بين يدي سيده للعقاب لرأيت أمرا عظيما، والمعنى وقفوا على جزاء ربهم أي على ما وعدهم ربهم من عذاب الكافرين وثواب المؤمنين، وعلى ما أخبرهم به من أمر الآخرة قالَ أَلَيْسَ هذا أي البعث بعد الموت