الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ
(٢٢) أي ظاهر العداوة حيث أبى السجود، كما حكى الله تعالى هذا القول في سورة طه بقوله: فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ [طه: ١١٧].
روي أنه تعالى قال لآدم: ألم يكن فيما منحتك من شجر الجنة مندوحة عن هذه الشجرة فقال: بلى وعزتك، ولكن ما ظننت أن أحدا من خلقك يحلف بك كاذبا. قال: فبعزتي لأهبطنك إلى الأرض ثم لا تنال العيش إلا كدا. فاهبط وعلّم صنعة الحديد وأمر بالحرث فحرث، وسقى وحصد، ودرس وذرى، وعجن وخبز. قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا أي ضررناها بمخالفة أمرك وطاعة عدونا وعدوك من أكل الشجرة التي نهيتنا عن الأكل منها وإنما اعترف آدم بكونه ظالما لأنه ترك الأولى فإن هذا الذنب صدر عنه قبل النبوة بطريق النسيان، ولأن القصد بذلك القول هضم النفس ونهج الطاعة على الوجه الأكمل وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (٢٣) أي من المغبونين بالعقوبة. قالَ تعالى: اهْبِطُوا يا آدم وحواء وإبليس إلى الأرض فهبط آدم بسرنديب جبل في الهند وحواء بجدة وإبليس بالأبلة بضم الهمزة والموحدة وبتشديد اللام (جبل بقرب البصرة) بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فالعداوة ثابتة بين آدم وإبليس وذرية كل منهما وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ أي مكان عيش وقبر وَمَتاعٌ أي انتفاع إِلى حِينٍ (٢٤) أي إلى انقضاء آجالكم قالَ تعالى: فِيها أي الأرض تَحْيَوْنَ أي تعيشون مدة حياتكم وَفِيها تَمُوتُونَ وتدفنون وَمِنْها تُخْرَجُونَ (٢٥) إلى البعث للجزاء.
قرأ حمزة والكسائي تخرجون بفتح التاء وضم الراء وكذلك في الروم والزخرف والجاثية.
وقرأ ابن عامر هنا وفي الزخرف كذلك وفي الروم والجاثية بضم التاء وفتح الراء. والباقون بضم التاء في الجميع يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً أي قد خلقنا لكم بأسباب نازلة من السماء لباسين من قطن وغيره لباسا يغطي عوراتكم من العري ولباسا يزينكم فإن الزينة غرض صحيح.
وروي أن العرب كانوا يطوفون بالبيت عراة، الرجال في النهار والنساء في الليل ويقولون:
لا نطوف بثياب عصينا الله تعالى فيها. فنزلت هذه الآية تذكيرا ببعض النعم لأجل امتثال أمر الله تعالى بالحذر من قبول وسوسة الشيطان في قوله تعالى: لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ [الأعراف: ٢٧].
والمقصود من ذكر قصص الأنبياء حصول العبرة لمن يسمعها وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ.
وقرأ نافع وابن عامر والكسائي بنصب «لباس» عطفا على «لباسا» أي وأنزلنا عليكم لباس التقوى وهو الإيمان كما قاله قتادة والسدي وابن جريج، أو العمل الصالح كما قاله ابن عباس أو السمت الحسن كما قاله عثمان بن عفان أو خشية الله كما قاله ابن الزبير، أو الحياء كما قاله معبد