قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي «الريح» على لفظ الواحد. والباقون «الرياح» على الجمع.
قرأ عاصم «بشرا» بضم الباء الموحدة وسكون الشين جمع بشير أي مبشرات. وقرئ بفتح الباء بمعنى باشرات. وقرأ حمزة والكسائي «نشرا» بالنون المفتوحة وسكون الشين بمعنى ناشرة للسحاب. أو بمعنى منشورة فكأن الرياح كانت مطوية فأرسلها الله منشورة بعد انطوائها- وهي كناية عن اتساعها- وقرأ ابن عامر بضم النون وإسكان الشين. وقرأ الباقون بضم النون والشين جمع نشور مثل رسل ورسول أي مفرقة من كل جانب أو طيبة لينة تنشر السحاب، والريح هواء متحرك يمنة ويسرة وهي أربعة:
الصبا: وهي الشرقية فتحرك السحاب. والدبور: وهي الغربية تفرقه. والشمال: التي تهب من تحت القطب الشمالي تجمعه. والجنوب: وهي التي تكثر إرسال المطر.
وعن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور والجنوب من ريح الجنة»
«١». حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالًا أي حتى إذا رفعت هذه الرياح سحابا ثقيلا بالماء سُقْناهُ أي السحاب لِبَلَدٍ مَيِّتٍ أي إلى مكان لا نبات فيه لعدم الماء فَأَنْزَلْنا بِهِ أي في ذلك البلد الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ أي بذلك الماء أو في ذلك البلد مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فالله تعالى إنما يخلق الثمرات بواسطة الماء. وقال أكثر المتكلمين: إن الثمار غير متولدة من الماء بل الله تعالى أجرى عادته بخلق النبات ابتداء عقب اختلاط الماء بالتراب كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى أي كما يخلق الله تعالى النبات بواسطة الأمطار فكذلك يحيي الله الموتى بواسطة مطر ينزله على تلك الأجسام الرميمة.
وروي أنه تعالى يمطر على أجساد الموتى فيما بين النفختين مطرا كالمني أربعين يوما، وأنهم يصيرون عند ذلك أحياء. وقيل: المعنى إنه تعالى كما أحيا هذا البلد بعد خرابه فأنبت فيه الشجر وجعل فيه الثمر فكذلك يحيي الموتى ويخرجهم من الأجداث بعد أن كانوا أمواتا.
والمقصود من هذا الكلام إقامة الدلالة على أن البعث والقيامة حق لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٥٧) أي لكي تعتبروا أيها المنكرون للبعث وتتذكروا أن القادر على إحياء هذه الأرض بالأشجار المزينة بالأزهار والثمار بعد موتها قادر على أن يحيي الأجساد بعد موتها وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ أي المكان الذي ليس بسبخة يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ أي بإرادة ربه وتيسيره كذلك المؤمن يؤدي ما أمر الله طوعا بطيبة النفس وَالَّذِي خَبُثَ أي المكان السبخة لا يَخْرُجُ أي نباته إِلَّا نَكِداً أي بتعب. وكذلك المنافق لا يؤدي ما أمر الله إلا كرها بغير طيبة النفس. وقيل: المراد أن الأرض