روي أنه لما ألقاها صارت ثعبانا أشعر، فاغرا فاه بين لحييه ثمانون ذراعا، وضع لحيه الأسفل على الأرض والأعلى على سور القصر، ثم توجه نحو فرعون ليبتلعه فوثب فرعون عن سريره هاربا، وأحدث، وانهزم الناس مزدحمين فمات منهم خمسة وعشرون ألفا، فصاح فرعون: يا موسى، أنشدك بالذي أرسلك خذه وأنا أومن بك وأرسل معك بني إسرائيل، فأخذه فعاد عصا وَنَزَعَ يَدَهُ أي أخرجها من طوق قميصه فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ بياضا نورانيا غلب شعاعه شعاع الشمس لِلنَّاظِرِينَ (١٠٨) قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أي الرؤساء منهم وهم أصحاب مشورته إِنَّ هذا أي موسى لَساحِرٌ عَلِيمٌ (١٠٩) أي حاذق بالسحر، فإنهم قالوا ذلك مع فرعون على سبيل التشاور يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ أي من أرض مصر فَماذا تَأْمُرُونَ (١١٠) قاله لفرعون خدمه والأكابر فإن الأتباع يفوضون الأمر والنهي إلى المخدوم والمتبوع أولا،
ثم يذكرون ما حضر في خواطرهم من المصلحة بقولهم: أرجه وأخاه. قال تعالى: قالُوا أَرْجِهْ فيه ست قراءات. ثلاثة بإثبات الهمزة التي بعد الجيم وهي كسر الهاء من غير إشباع لابن ذكوان عن ابن عامر، وضمها كذلك لأبي عمرو وبإشباع حتى يتولد من الضمة واو على الأصل لابن كثير، وهشام عن ابن عامر. وثلاثة بحذف الهمزة وهي سكون الهاء وصلا ووقفا لعاصم وحمزة، وكسر الهاء من غير إشباع لقالون وبه حتى يتولد منها ياء لنافع والكسائي. وورش أي أخر أمر موسى ولا تعجل في أمره بحكم. والمراد أنهم حاولوا معارضة معجزته بسحرهم ليكون ذلك أقوى في إبطال قول موسى وَأَخاهُ هارون وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (١١١) أي وأرسل في مدائن صعيد مصر شرطا يحشرون إليك ما فيها من السحرة وكان رؤساء السحرة ومهرتهم في أقصى مدائن الصعيد يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ (١١٢) أي ماهر في السحر.
وقرأ حمزة والكسائي «سحار» كما اتفقوا عليه في سورة الشعراء وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ بعد ما أرسل الشرط في طلبهم قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً على الغلبة. قرأ نافع وابن كثير وحفص عن عاصم «أن» بهمزة واحدة. والباقون بهمزتين وأدخل أبو عمرو الألف بينهما إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ (١١٣) لموسى قالَ نَعَمْ. وقرأ الكسائي بكسر العين وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (١١٤) أي نعم لكم الأجر ولكم المنزلة الرفيعة عندي زيادة على الأجر، أي فإني لا أقتصر بكم على الثواب بل أزيدكم عليه، وتلك الزيادة إني أجعلكم من المقربين إليّ بالمنزلة. قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ عصاك أولا وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (١١٥) ما معناه من الحبال والعصي أولا، فلما راعوا حسن الأدب حيث قدموا ذكر موسى عليه السلام رزقهم الإيمان ببركة رعاية هذا الأدب قالَ موسى مريدا الإبطال ما أتوا به من السحر وإزراء شأنهم: أَلْقُوا ما تلقون فَلَمَّا أَلْقَوْا عصيا وحبالا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ أي صرفوها عن إدراك حقيقتها فتخيلوا أحوالا


الصفحة التالية
Icon